آية أخرى : (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨)) [الأعراف : ٧ / ١١٨] ، وقوله سبحانه : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [طه : ٢٠ / ٦٩].
هذا اختيار صعب قاس لكل من المعجزة والسحر ، فالمعجزة آية إلهية خارقة للعادة ، يؤيد الله تعالى بها صدق الأنبياء ، لإقناع الناس وتصديق دعوتهم. وأما السحر فهو إفساد وتمويه وتزييف ، لا حقيقة له ثابتة ، لذا لم يصمد أمام الشيء الحقيقي الثابت ، الذي لا تمويه فيه.
وهذا المعنى هو ما تضمنته آية : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أي لا يضرّ أحدا كيد ساحر ، لذا قال العلماء : لا تكتب هذه الآية على مسحور إلا دفع الله عنه السّحر.
وكان في برمجة أو خطة موسى عليهالسلام بأن يبدأ السّحرة أولا بالإلقاء براعة وثقة بما لديه من المعجزة ، وعدم الاكتراث بالسّحرة ، فإن كل ما فعلوه من لفت أنظار الناس وإخافتهم ، حينما ألقوا حبالهم وعصيهم ، محق وأبطل بإلقاء العصا التي انقلبت ثعبانا عظيما ، التهم جميع الحبال والعصي ، وصدق موسى فيما أعلنه قبل المبارزة : (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ).
وحينئذ ، حين التهمت العصا جميع الحبال والعصي ، أدرك السّحرة خسارتهم ، وعرفوا أن فعل موسى ليس من قبيل السّحر ، فهم أعرف الناس بأساليبه وفنونه ، فلم يعاندوا ، وشرح الله صدورهم للإيمان ، فآمنوا دون خشية من فرعون وبأسه وتهديده ، وأسقط في يد فرعون وملئه ، وخابوا وخسروا ، وانتصر الحق وزهق الباطل.