لذا بدئت هذه الآيات بأنه إن تعجب أيها الرسول النبي من تكذيب المشركين لك ، وعبادتهم مالا يضر ومالا ينفع من الأصنام ، مع ما يشاهدونه في واقعهم من آيات الله الكونية الدالة على قدرته التي لا حدود لها ، فالأدعى للعجب والأغرب تكذيبهم بالبعث والقيامة ، وقولهم : هل تمكن الإعادة بعد الفناء ، أو التفتت ترابا؟ وهل يمكن أن نعود لخلق جديد؟! فحكم الله تعالى عليهم بأحكام ثلاثة لا نجدها في غير هذه الآيات :
الحكم الأول : أنهم أولئك الكافرون الذين جحدوا بربهم وكذبوا رسله ، وتمادوا في عنادهم وضلالهم ، لأن إنكار قدرة الله تعالى إنكار لوجوده ووحدانيته.
والحكم الثاني : وصف لأحوال عذابهم ، فهم أولئك المقيدون بالسلاسل والأغلال ، يسحبون بها سحبا في غاية القهر والذل والمهانة.
والحكم الثالث : زجهم في نار جهنم ، أولئك هم أصحاب النار خالدون فيها في الآخرة ، ملازمون لها ، يمكثون فيها على الدوام ، لا يحولون عنها ولا يزولون ، بسبب كفرهم ، وإنكارهم البعث وتكذيبهم الرسول.
ولم يقتصر إنكارهم على عذاب الآخرة ، وإنما تهكموا وأنكروا أيضا عذاب الدنيا ، فقال الله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) أي ويستعجلك هؤلاء المكذبون بالعقوبة في دار الدنيا ، وهذا غاية الحماقة والتحدي والإمعان في الكفر ، فهم يكذبونك أيها النبي بالعذاب الذي أنذرتهم به استهزاء ، قبل الحسنة من الإمهال أو الإيمان ، والسلامة والعافية من البلاء.
علما بأن هناك أمثلة واقعية يعرفونها ، فقد خلت من قبلهم المثلات ، وأوقعنا أنواع النقم ، وشدائد العقاب بالأمم الخالية ، وجعلناهم عبرة لمن اعتبر ، وعظة لمن اتعظ. وهذا تبيين لخطئهم في أن يتمنوا المصائب ، ويطلبوا إنزال أو إسقاط جزء من