وهذا الخطاب العام اشتمل على بيان مقاصد أربعة للقرآن الكريم وهي :
١ ـ كونه موعظة حسنة من عند الله تعالى ، يجمع بين الترغيب والترهيب ، وبين الحثّ على فعل الحسن وترك القبيح.
٢ ـ وكونه شفاء لما في القلوب من الشبهات والشكوك ، والنفاق والكفر ، وسوء الاعتقاد وشراسة الخلق ، والتّخلص من الجهل والعتو عن النظر في آيات الله تعالى.
٣ ـ كونه هاديا إلى الحق الأبلج واليقين الساطع والصراط المستقيم المحقق لسعادة الدنيا والآخرة.
٤ ـ إن القرآن هدى ورحمة للمؤمنين خاصة ، ينجيهم من ظلمات الضلال ، إلى نور الإيمان ، ويبعدهم عن النّيران ، ويرقى بهم إلى درجات الجنان.
قل أيها الرسول للمؤمنين : ليفرحوا بفضل الله ورحمته بما جاءهم من الهدى ودين الحقّ ، فإنه أولى ما يفرحون به. والفضل كما قال ابن عطية : هو هداية الله تعالى إلى دينه ، والتوفيق إلى اتّباع شريعته ، والرّحمة : هي عفوه وسكنى جنّته التي جعلها جزاء على الإيمان والإسلام. والفرح بهذا الفضل وبهذه الرحمة هو أجدى وأنفع من كل ما يجمعه الناس من الأموال وسائر خيرات الدنيا ؛ لأنه يؤدي لسعادة الدارين.
ثم أوضح الله تعالى بخطابه الخاص بعرب الجاهلية : أن التشريع بالتحليل والتحريم هو حقّ الله تعالى ، وليس للناس الحق في التشريع ، فما قام به العرب من تحريم البحائر والسّوائب والوصايل من المواشي وغير ذلك مجرد اختلاق وكذب منهم ، ولم يأذن الله به. وهذا توبيخ شديد على إعطاء الجاهلين أنفسهم حقّ التّحليل والتّحريم ، فمن أحلّ برأيه أو حرّم بمجرد هواه ، فإنه مفتر على الله ، ومتجاوز حدوده ، كما جاء في آية أخرى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [النّحل : ١٦ / ١١٦].