جزاء المتّقين يوم القيامة
سار المنهج القرآني في تربية الأفراد والشعوب على أساس الجمع بين الترغيب والترهيب ، ومن أمثلة هذا المنهج : أن الله تعالى يذكر عادة ما أعد لأهل الجنة ، وما أعد لأهل النار ، ليظهر التّباين ، ويقارن الإنسان العاقل بين العاقبتين ، فيقبل على العمل الصالح المؤدي للجنة ، ويجتنب العمل السّيئ المؤدي للنار ، والخير في الحالتين للإنسان. فهل بعد هذا عذر لمقصّر أو عاص أو مسيء؟! قال الله تعالى مبيّنا جزاء المتقين بعد بيان جزاء الفاسقين والعصاة من أتباع الشيطان :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠)) (١) (٢) [الحجر : ١٥ / ٤٥ ـ ٥٠].
نزلت هذه الآية : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)) فيما أخرجه الثعلبي عن سلمان الفارسي : أنه لما سمع قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)) فرّ ثلاثة أيام هاربا من الخوف ، لا يعقل ، فجيء به للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، فسأله فقال : يا رسول الله ، أنزلت هذه الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)) فوالذي بعثك بالحق ، لقد قطّعت قلبي ، فأنزل الله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥)).
وأما آية : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) فنزلت في أبي بكر وعمر ، اللذين كانا بين قبيلتيهما بني هاشم وبني عدي عداوة وغلّ الجاهلية. وهذا في شأن الدنيا.
هذه الآيات تصوّر لنا مصير المتّقين ، وهم الذين اتّقوا عذاب الله ومعاصيه ،
__________________
(١) حقد ، عداوة.
(٢) أي عناء وتعب.