مقاصد القرآن وشرائعه
أراد القرآن المجيد بالناس خيرا ، فزوّدهم بما فيه النفع والسعادة ، وشفى نفوسهم من أمراض القلوب ، وهداهم إلى الحق ، وأبعدهم عن كل أنواع الضلال والانحراف ، وشرع لهم الشرائع بفضل من الله ورحمة منه ، فكان جديرا بالناس جميعا الإيمان به والتزام أحكامه والبعد عن أسباب الشقاوة والعذاب ، وعدم التورّط بالتحليل والتحريم بمجرد الهوى والشهوة ، من غير ميزان العقل والحكمة كشأن أهل الجاهلية ، قال الله تعالى مبيّنا مقاصد القرآن وأسباب تشريعاته :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٦٠)) (١) (٢) [يونس : ١٠ / ٥٧ ـ ٦٠].
جمعت هذه الآيات بين خطاب جميع العالم ، وبين توبيخ عرب الجاهلية على التحليل والتحريم بسبب الأهواء والمزاعم. أما الخطاب العام لجميع البشر فمضمونه : يا أيها الناس ، قد جاءكم كتاب جامع لكل المواعظ التي يراد بها إصلاح الأخلاق والأعمال ، والزّجر عن الفواحش ، وشفاء الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد ، والهداية إلى الحق واليقين والطريق القويم المؤدي إلى سعادة الدنيا والآخرة. وسمي القرآن الكريم موعظة لأن الوعظ إنما هو بقول يأمر بالمعروف ، ويزجر ، ويرقّق النفوس ، ويوعد ويعد ، وهذه صفة الكتاب العزيز. وهي موعظة (مِنْ رَبِّكُمْ) لم يختلقها محمد صلىاللهعليهوسلم ولا غيره ، بل هي من عند الله عزوجل.
__________________
(١) أخبروني.
(٢) تكذّبون.