الأرض حيث تأوي إليه ، وهو مستقرّها ، وموضع إيوائها ومكان موتها ودفنها ، وهو مستودعها ، وكل ما يتعلق بمخلوقات الأرض من أحوال وأرزاق وتحرّكات وسكنات : ثابت مكتوب في اللوح المحفوظ الذي كتب فيه جميع مقادير المخلوقات ، وتوضّح فيه كل شؤونها. وهذا دليل واضح على تكفل الله بأرزاق المخلوقات كلها ، غير أن ذلك مرتبط بقانون السببية أو مبدأ ارتباط الأسباب بالمسبّبات والغايات ، أي إن تحصيل الرزق منوط بالسّعي والعمل ، موجه بالإلهام الإلهي ، مشمول بهداية الله إلى الطلب والتحصيل ، كما قال الله تعالى : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠)) [طه : ٢٠ / ٥٠].
وبعد إثبات كون الله عالما تمام العلم بالمعلومات ، أثبت تعالى كونه قادرا قدرة تامة بخلقه السماوات والأرض ، خلقها في ستة أيام بمقدار أيام الدنيا في رأي أكثر المفسرين. وكان العرش : وهو أعظم المخلوقات ، فوق الماء ، وكان موجودا قبل أن يخلق الله شيئا. ومقتضى استواء الله على العرش أنه صاحب السلطان المطلق في التّصرف والملك والأمر والحكم. قال جماعة من العلماء : خلق الله تعالى هذه المخلوقات في ستة أيام ، مع قدرته على خلقها في لحظة ، نهجا إلى طريق التّؤدة والمهلة في الأعمال ، ليحكم البشر أعمالهم.
وعلّة الخلق الإلهي العجيب للسماوات والأرض : هي نفع العباد الذين خلقهم الله ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وليعاملهم معاملة المبتلي المختبر لأحوالهم ، لينظر كيف تعملون ، ويظهر أيّكم أحسن عملا ، فيقوم الدليل الواقعي على أفعال الإنسان ومعرفة من يقابل النّعم بالشكران أو بالكفران.
ولئن أقمت يا محمد الأدلة على البعث بعد الموت ، وذكرت ذلك للمشركين ، لقال الكافرون : ما هذا إلا سحر واضح ، أي غرور باطل ، لأن السّحر في مفهومهم