حتى إذا حان وقت مجيء أمرنا بالهلاك من المطر الغزير ، ونبع الماء من التّنور : موقد الخبز أو وجه الأرض ، وارتفع كما تفور القدر بغليانها ، وكان ذلك علامة لنوح عليهالسلام ، كما جاء في آية أخرى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣)) [القمر : ٥٤ / ١١ ـ ١٣].
وقلنا لنوح : احمل في السفينة من كل نوع من الحيوان زوجين اثنين : ذكرا وأنثى ، حفاظا على أصل النوع الحيواني ، واحمل فيها أهل بيتك إلا امرأتك وابنك : كنعان ، وهما من سبق عليه القول واستقرّ عليه الحكم بأنه من أهل النار ، لاختياره الكفر وإبائه الإيمان ، لا لتقديره عليه.
وخذ معك من آمن من قومك ، وإن لم يؤمن إلا عدد قليل ، أو نزر يسير ، مع طول المدة واستمرار دعوتهم إلى الإيمان ألف سنة إلا خمسين عاما. وكان المؤمنون ثمانين نفسا ، منهم نساؤهم.
وأخبر الله تعالى نوحا عليهالسلام أنه قال لمن حملهم في السفينة أن يدعوا : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [هود : ١١ / ٤١]. أي باسم الله وبركته يكون جريها على سطح الماء ، وباسم الله يكون منتهى سيرها ، وهو رسوها على مرفأ آمن ، بتسخير الله وقدرته ، إن ربي غفور لذنوب عباده التائبين ، رحيم بهم ، فلو لا مغفرته لذنوب عباده ورحمته بهم لما نجاكم. وذكر المغفرة والرحمة بعد ذكر حكم الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين هو شأن القرآن في بيان الأضداد والمتقابلات ، كما في آية : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف : ٧ / ١٦٧]. وآية المغفرة والرحمة في هذا المقام الخطير وقت الإهلاك والغرق في غاية الإشعار بفضل الله ورحمته على عباده المؤمنين الذين نجاهم.