وتضمنت الآية التي بعدها الرد على شبهتهم الواهية ، ومضمونه : قل لهم يا محمد : لقد نزّل القرآن المتلو عليكم جبريل روح القدس (أي المطهر) عليهالسلام ، من ربك بالحق ، أي حقا ، مقترنا بالصدق والعدل والحكمة ، واجبا لمعنى المصلحة أن ينزّل ، والنسخ من جملة الحق. والغاية من تنزيله : تثبيت الذين صدّقوا بما أنزل الله أولا ، وآخرا ، وتطمين قلوبهم ، وهدايتهم وإرشادهم للطريق الأقوم ، وتبشيرهم بالجنة إذا أسلموا وأطاعوا الله ، وتحذيرهم من العذاب إذا عصوا أوامر الله.
والشبهة الثانية ـ أن الله أقسم على أنه يعلم علما تاما ما يفتريه المشركون على محمد ، فهم يقولون جهلا وافتراء : إنما يعلّم هذا القرآن بشر آدمي ، وليس وحيا من عند الله ، ويشيرون إلى رجل أعجمي اللسان ، لا يعرف العربية ، غلام لبعض القرشيين ، وكان بيّاعا عند الصفا ، كان الرسول صلىاللهعليهوسلم يمرّ عليه ، ويكلمه بعض الشيء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان في مكة غلام أعجمي لبعض قريش ، يقال له بلعام ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكلمه ويعلّمه الإسلام ويرومه عليه ، فقالت قريش : هذا يعلّم محمدا من جهة الأعاجم ، فنزلت الآية بسببه. والأعجمي : هو الذي لا يتكلم بالعربية.
فرد الله عليهم افتراءهم ، وأبان كذبهم بأن لسان الذين يميلون إليه ويشيرون إليه أعجمي لا عربي ، والقرآن كلام عربي واضح البيان ، فكيف يتعلم محمد القرآن من شخص عاجز عن البيان ، لا يحسن التعبير العربي؟! وهذا كذب حسي مشاهد ، وافتراء مفضوح.