لبنها ، كما في آية أخرى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)) [القمر : ٥٤ / ٢٧ ـ ٢٨].
فاتركوها تأكل ما شاءت في أرض الله من المراعي ، دون أن تتحملوا عبء مؤنتها ، وإياكم أن تمسّوها بسوء من أي نوع كان ، فيقع بكم عذاب عاجل ، لا يتأخر عن إصابتكم ، فقالوا : عياذا بالله أن نفعل ذلك.
فلم يمعوا نصحه ، وكذّبوه وعقروا النّاقة ، عقرها بتواطؤ معهم أشقاهم وهو قدار بن سالف ، كما قال الله تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)) [القمر : ٥٤ / ٢٩]. فقال لهم صالح : تمتعوا بالعيش في بلدكم (دياركم) مدة ثلاثة أيام ، أي هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب ، ذلك وعد صادق مؤكد غير مكذوب فيه.
ثم وقع ما أوعدهم به ، فلما حان وقت أمر الله بالعذاب والهلاك ، ونزلت الصاعقة ، نجى الله تعالى صالحا والمؤمنين معه ، برحمة سابغة منه ، نجاهم من عذاب شديد ، ومن ذلّ ومهانة حدثت يومئذ ، أي يوم وقوع الهلاك : يوم التعذيب. والخزي : الذّلّ العظيم البالغ حدّ الفضيحة ، إن ربّك هو القوي القادر الغالب على كل شيء ، العزيز ، أي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وأصبح أمرهم أنه أخذتهم صيحة العذاب ، وهي الصاعقة ذات الصوت الشديد المهلك ، التي تزلزل القلوب ، وتصعق عند سماعها النفوس ، فصعقوا بها جميعا ، وأصبحوا جثثا هامدة ملقاة على الأرض.
وكأنهم لسرعة هلاكهم لم يوجدوا في الدنيا ، ولم يقيموا في ديارهم ، بسبب كفرهم وجحودهم بآيات ربّهم ، ألا إنهم كفروا بربّهم ، فاستحقّوا عقابه الشديد ، ألا بعدا لهم عن رحمة الله ، وسحقا لثمود ، وهلاكا لهم ولأمثالهم. وقوله سبحانه : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) من غني في المكان : إذا أقام فيه في خفض عيش ، وهي المغاني.