ظلموا أنفسهم ، بكفرهم بالله تعالى ، وميلهم لعبادة الأصنام والأوثان. إنهم ظلموا أنفسهم ، أي آذوها بفعلهم نفسه ، وإن كانوا لم يقصدوا ظلمها ولا إذايتها.
لقد أصابهم جزاء عملهم في الدنيا والآخرة ، ونزل بهم العقاب ، وأحاط بهم العذاب ، جزاء بما كانوا به يستهزئون ، بالسخرية من الرسل حين توعدوهم بعقاب الله تعالى. فقوله تعالى : (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) فيه محذوف ، يدل عليه الظاهر من الكلام ، تقديره : جزاء بما كانوا يكسبون أو يستهزئون.
والآية تتضمن شبهة أخرى لمنكري النبوة الذين طالبوا بإنزال ملك من السماء ، يشهد على صدق رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، بعد شبهة الزعم بأن القرآن أساطير الأولين. ثم أجاب الله تعالى عن شبهة ثالثة لمنكري النبوة ، تصور جدلا من الكفار ، وذلك أن أكثرهم كانوا يعتقدون وجود الله تعالى ، وأنه خالقهم ورازقهم ، ولكنهم زعموا أن شركهم بإرادة الله ، فقالوا : يا محمد ، نحن من الله بمرأى في عبادتنا الأوثان ، واتخاذها زلفى تقرب إلى الله ، ولو كره الله فعلنا لغيّره منذ مدة ، إما بإهلاكنا ، وإما بهدايتنا ، ولو شاء الله الإيمان لآمنا ، فكل من الإيمان والكفر من الله ، ولا فائدة في مجيء الرسول ، ويكون القول بالنبوة باطلا ، ومقصودهم بهذا الطعن بالنبوة.
وهذا الزعم أعلنه المشركون حينما لزمتهم الحجج الدامغة ، وأفلسوا عن إيراد الجواب المعقول ، وأضافوا قائلين : لو شاء الله ما حرّمنا بعض المواشي ، كالبحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك مما حرّموه ، فيكون قولهم شاملا أمرين : أنهم لو شاء الله ما عبدوا هم ولا آباؤهم غير الله ، ولا حرموا شيئا حال كونه من دون الله ، والمراد ما حرموا شيئا مستقلين بتحريمه.
ثم جاء الرد القاطع من الله على هذا الموقف الذي لا يتفق مع العقل والحقيقة في شيء ، ومضمون الرد : هو أن الله تعالى ينهى عن الكفر ولا يرضاه لعباده ، وقد