فأحرقتهم. قال الطبري : بعث شعيب إلى أمّتين كفرتا ، فعذّبهم الله بعذابين مختلفين : أهل مدين عذّبوا بالصيحة ، وأصحاب الأيكة عذّبوا بالظّلّة.
وإن كلّا من قرى قوم لوط ، وبقعة أصحاب الأيكة ، لبطريق واضح ، يسلكه الناس في سفرهم من الحجاز إلى الشام. وكلمة (إمام) أي الشيء الذي يهتدى به ويؤتم ، كخيط البناء ، والطريق ، والكتاب المفيد ، أو قياس الصانع ، أو الرجل المقتدى به.
وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) أي إنّ ، فكلمة (إن) هنا هي المخففة من الثقيلة على مذهب البصريين.
والقصة الثانية في هذه الآيات : هي قصة أصحاب الحجر ، والحجر مدينتهم ، وهي ما بين المدينة وتبوك ، لقد كذبوا رسولهم ثمود ، وعبّر عنه بكلمة (الْمُرْسَلِينَ) لأن تكذيب رسول واحد تكذيب الجميع ؛ لاتّفاق أصول دعوتهم في التوحيد وعبادة الله ، ومكارم الأخلاق والفضائل ، وتجنّب الرّذائل.
وكان قوم ثمود ممن أنعم الله عليهم ، فأعطاهم من الآيات والدلائل ما يدلّهم على صدق نبوّة صالح عليهالسلام ، كالناقة التي أخرجها الله من صخرة صماء ، بدعاء صالح عليهالسلام ، فأعرضوا عنها ، ولم يعتبروا بها ، وبادروا إلى عقرها. وكانت لهم بيوت ينحتونها في الجبال ، صاروا بها آمنين من الأعداء ، من غير خوف ، لقوّة إحكامها ، وهي ما تزال مشاهدة على الطريق إلى تبوك.
فلما عتوا عن أمر ربهم ، وبغوا ، وعقروا الناقة ، أخذتهم صيحة الهلاك في وقت الصباح ، من اليوم الرابع للإنذار بالعذاب ، كما قال الله تعالى : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ١١ / ٦٥].
فما نفعتهم الأموال والديار حين حلّ بهم العذاب ، ولم يستفيدوا من مكاسبهم