الواقع ، وهو أربعون سنة أو أكثر ، قال يعقوب لابنه يوسف حين قصّ عليه ما رأى : لا تخبر إخوتك بما رأيت ، حتى لا يحسدوك ، ويحتالوا لك حيلة توقعك في مكروه ، فإن الشيطان عدوّ واضح العداوة للإنسان. وقد أدرك يعقوب من هذه الرؤيا أنه سيكون ليوسف شأن عظيم ، ويسود قومه حتى أباه وأمه وإخوته ، فحذر يوسف من التحدث بهذه الرؤيا.
روى الإمام أحمد وغيره عن معاوية القشيري أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبّر ، فإذا عبّرت وقعت».
وأضاف يعقوب مبشرا ابنه يوسف ببشارة عظيمة ، وهي النّبوة وتعبير الرؤيا ، فقال له : وكما اختارك ربّك ، وأراك هذه الكواكب ، مع الشمس والقمر ساجدة لك ، يختارك لنفسه ويصطفيك لنبوّته على آلك وغيرهم ، ويعلّمك تعبير الرؤيا. والرؤيا : وإن كان مصدرا في الأصل ، لكن كثر إطلاقه على المتخيّل في النوم ، فجرى مجرى الأسماء. وتعبير الرؤيا : الإخبار بما تؤول إليه في الوجود ، وتعليم الله يوسف التأويل : إلهامه الصواب فيها ، أو صدق الفراسة.
والله سبحانه يتم نعمته عليك يا يوسف ، بإرسالك رسولا ، وجعلك نبيّا وإيحائه إليك ، ويتم هذه النعمة أيضا على آل يعقوب وأسرته ، وهم أبوك وإخوتك وذريتك ، فآل الإنسان : أهله ، وهو خاص بمن لهم مجد وشرف ، وإتمام هذه النعمة على آل يعقوب ، كإتمامها من قبل هذا الوقت على جدّك إسحاق وجدّ أبيك إبراهيم ، وقدّم إبراهيم في البيان الإلهي على إسحاق ؛ لأنه الأشرف وأبو الأنبياء ، إن ربّك عليم بخلقه وبمن يستحق الاجتباء والاصطفاء ، فهو أعلم حيث يجعل رسالته ، إنّ ربّك حكيم في صنعه وتدبيره ، يفعل الأشياء على ما ينبغي ويتفق مع المناسبات والأوضاع الصحيحة.