ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)) [يونس : ١٠ / ١٥ ـ ١٨].
هذه الآيات إظهار للحجة القاطعة من الله على المشركين في التكذيب بالقرآن ، والعكوف على عبادة الأصنام ، وبيان واضح أن القرآن ليس من قبل النّبي محمد ولا هو من عنده ، وإنما هو من عند الله ، ولو شاء الله ما بعثه به ، ولا تلاه عليهم ، ولا أعلمهم به. فقولهم : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) أي من نمط آخر ليس فيه عيب آلهة المشركين ، إنهم يريدون تبديل القرآن على حسب مزاجهم ، بجعل آية مكان آية في الوعيد والطعن بهم. ومنشأ هذا المطلب : هو إنكارهم البعث والحساب ، وتكذيبهم بالثواب والعقاب في الآخرة.
فردّ الله عليهم معلّما نبيّه أن يقول : ما يصح لي ولا من شأني أن أبدّل هذا القرآن من قبل نفسي ، فليس هو كلامي ، وإنما هو كلام الله ، وإني لا أتبع فيه إلا ما يوحى إلي ، وهو ما أبلّغكم به ، إني أخشى إن خالفت وحي ربّي وأمره عذاب يوم عظيم الهول ، شديد الوقع ، وهو عذاب النار يوم القيامة.
بل قل لهم أيها الرّسول : لو شاء الله ألا أتلو هذا القرآن عليكم ما تلوته ، ولو شاء الله ألا أعلمكم به أو أخبركم بأحكامه ، وأنتم أعلم الناس بسيرتي ، ولم تجرّبوني في كذب ، بدليل أني مكثت بينكم أربعين سنة من قبل نزول القرآن ، لا أتلو شيئا منه ولا أعلمه ، أفلا تستعملون عقولكم وتتفكرون في أن من عاش أمّيّا أربعين عاما ، لم يقرأ كتابا ولا تعلّم من أحد ، لا يستطيع أن يأتي بمثل هذا القرآن المعجز في بلاغته وفصاحته وعلومه وشرائعه ، ولم تستطيعوا معارضته أو الإتيان بمثل أقصر سورة منه ، وهذا دليل على أن القرآن يتميّز بإعجازه التّام ، لأنه كلام الله ، وليس كلام بشر.