فلا أحد في البشر أظلم من رجلين : أحدهما ـ من افترى على الله الكذب بنسبة الشّريك أو الولد لله ، أو بتبديل كلامه على النّحو الذي اقترحتموه ، والثاني ـ من كذب بآيات الله البيّنة ، فكفر بها ، إنه لا يفوز المجرمون (أي الكافرون) في الآخرة. وهذا دليل على عظم جرم المفتري على الله بعد بيانه الساطع بأن القرآن كلام الله ، ودليل أيضا على أنه لا نجاة للكفار من العذاب الأخروي ، ولن يحققوا أي فوز ، بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى.
وأي الموقفين أصحّ عقلا وأسلم عاقبة وأبين حقيقة : موقف الإيمان بربّ واحد خالق رازق ، نافع مانع للضّر ، أو موقف المشركين الذين يعبدون الأصنام ، ويزعمون أن شفاعتها تنفعهم عند الله ، أو أنهم وسطاء لهم بين يدي الله. فردّ الله عليهم بقوله : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ ..) أي قل لهم أيها الرّسول : لا دليل لكم على ما تدّعون ، أتخبرون الله بما لا وجود له في السّماوات ولا في الأرض ، وما لا يعلم من وجود هؤلاء الشفعاء المزعومين ، تنزه الله عن أن يكون له شريك أو معين ، وتعاظم وتعالى علوّا كبيرا عما يشركون به من الشّفعاء والوسطاء ، ويستحيل على الله وجود شيء من الشّرك أو الشّركاء الذين يشركونهم به.
وهذا تقريع وتوبيخ للمشركين في زعمهم وافترائهم بوجود أنباء في السماوات والأرض ، لا يعلمها الله ولا وجود لها في الواقع.
وحدة المعبود والسّلطان الإلهي
تدلّ الفطرة الإنسانيّة الأصليّة في جميع البشر على الإقرار بوجود إله واحد ، والإذعان لربّ واحد ، له السّلطان الغيبي المطلق والتّصرف الشّامل في الكون