قالوا : لقد علمت سابقا ألا حاجة لنا في النساء ولا نميل إليهن ، فلا فائدة فيما تقول ، وليس لنا غرض إلا في الذكور ، وأنت تعلم ذلك ، فأي فائدة في الوعظ؟ قال لوط لقومه متوعدا : لو كان لدي قوة تقاتل معي ، أو عشيرة تؤازرني ، لقاتلتكم ومنعتكم من تحقيق مرادكم السيّئ. والمراد بالركن الشديد : العشيرة والمنعة بالكثرة بحسب العرف ، يعاجلهم به ، وهو يعلم أن الله تعالى من وراء عقابهم.
قالت الملائكة بعد هذا الحوار الشديد : يا لوط ، إنا رسل ربك ، أرسلنا إلى نجاتك من شرهم ، وإهلاكهم ، ولن يصلوا إليك بسوء ، فاخرج مع أهلك بجزء من الليل يكفي لتجاوز حدودها ، ولا ينظر أحد منكم إلى ما وراءه أبدا ، حتى لا يصيبه شيء من العذاب. امض بأهلك إلا امرأتك. فلا تأخذها معك ، إنه مصيبها ما أصابهم من العذاب ، لكفرها وخيانتها بدلالة قومها على المنكر. إن موعد عذابهم هو الصبح ، من طلوع الفجر إلى شروق الشمس ، أليس موعد الصبح بموعد قريب؟ واختيار هذا الوقت لتجمعهم فيه في مساكنهم.
فلما جاء أمر الله بالعذاب ، عند طلوع الشمس ، ونفذ قضاؤه في قوم لوط ، جعل ديارهم وهي قرى سدوم عاليها سافلها ، وخسف بهم الأرض ، وأمطر عليهم حجارة من طين متحجر ، منظم متتابع ، معلمة للعذاب ، عليهم علامة خاصة عند ربك ، أي في خزائنه ، وليست هي من الكفار الظالمين أي قريش ونحوهم بمكان بعيد ، فهي تشمل كل ظالم ، ويمرون على تلك الديار في الأسفار ، ويشاهدون آثار الدمار والخراب ، سواء في الليل أو في النهار.