وجعل الله في الأرض معايش ، أي أعدّ للناس أسباب المعيشة والحياة الملائمة ، من غذاء ودواء ، ولباس وماء ونحو ذلك ، وجعل فيها أيضا الخدم والدّواب والأنعام التي لستم أيها العباد برازقين لها ، وإنما يرزقها الله وإياكم.
ثم أخبر الله تعالى أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء يسير سهل عليه ، وعنده خزائن الأشياء من جميع الأصناف ، من نبات ومعادن ، ومخلوقات لا حصر لها ، فكل ما ينتفع به الناس في الكون ، الله قادر على تكوينه وإيجاده ، ولا يعطيه ولا يمنحه إلا بمقدار معلوم.
وأرسل الله الرياح الخيرة تحمل السّحب المشبعة بالرطوبة لإنزال الأمطار ، وجعل الرياح واسطة لتلقيح الأشجار ، بنقل طلع الذكور ولقاحها للإناث ، ليتكون الثمر ، كما يسوق الله الغيوم بالرياح لإنزال الأمطار التي تسقى بها الزروع والثمار والمواشي ، كما قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٢١ / ٣٠]. ومن أعظم النّعم أن الله تعالى خازن الأمطار في السّحب وجوف الأرض ، وليس البشر بخازنين ولا حافظين له ، وينزله الله ويحفظه في الأرض ، ويجعله ينابيع ، ولو شاء الله تعالى لغوّره وذهب به في أعماق الأرض ، ولكن من رحمته أبقاه للناس طوال السنة.
ومن عظيم قدرة الله : إحياء الخلق من العدم ثم إماتتهم ثم بعثهم أحياء ، وينفرد الله حينئذ بإرث الأرض ومن عليها ، والله يعلم كل من تقدّم وهلك من لدن آدم عليهالسلام ، ومن هو حيّ ، ومن يتأخر وجوده إلى يوم القيامة. ثم إن الله يحشر الناس ويجمعهم إليه جميعا يوم القيامة ، ليحاسبهم ، إنه سبحانه حكيم يضع الأشياء في محالّها ويتقنها ، واسع العلم ، أحاط علمه بكل شيء. وكل ذلك دليل على قدرة الله تعالى وتوحيده وإيجاب عبادته.