قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير الوسيط للقرآن الكريم [ ج ٢ ]

94/392
*

وقتا من الزمان عن بعض الكفار ، بحسب توعّد الله إياهم ، بادر إلى القول استهزاء وتكذيبا : ما يحبس هذا العذاب؟ أي ما الذي يؤخّره عنّا؟ فأجاب الله تعالى بأنه إذا حان الوقت وحلّ الأجل الذي حدّده الله لنزول العذاب الذي يستهزئون به ، لم يصرفه عن الكفار صارف ، وسيحيط بهم من كل جانب ، جزاء بما كانوا يستهزئون به من العذاب قبل وقوعه. وعلى الجميع أن يعلموا أن وعد الله بالخير كائن حتما ، ووعيده بالجزاء واقع قطعا ، كما قال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) [الرّعد : ١٣ / ٣٨] ، وقال سبحانه : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨)) [الطّور : ٥٢ / ٧ ـ ٨].

ومن صفات الإنسان الذّميمة إلا من رحم ربّك : أنه إذا منحه الله نعمة من صحة ورزق وأمن وولد بارّ ، رحمة منه ، ثم سلبه تلك النّعمة ، وأبدله بها نقمة من مرض أو فقر أو خوف أو موت أو كارثة ، إذا أنعم الله عليه ، ثم تغيّر حاله ، يئس وتحرّج وسخط ، وجحد وكفر ، ونسي النّعمة ، ولم يذكر إلا المحنة والمصيبة ، ولو تأمل قليلا ، ونظر إلى نعمة الله الباقية عليه في عقله وحواسه وغير ذلك ، أو قارن المصاب بغيره ، لهان عليه الأمر ، ولم يكفر ولم يجحد.

وإذا منح الله الإنسان (أي جنس الإنسان) نعمة من بعد ضرّاء ، كشفاء من مرض ، وقوة من بعد ضعف ، ويسر من بعد عسر ، لقال : ذهب ما كان يسوؤني من المصائب ، ولن ينالني بعد اليوم ضيم ولا سوء ، وأصبح شديد الفرح والبطر بتلك النعمة ، وتفاخر وتعاظم على غيره ، محتقرا من دونه. فكان في موقفه هذا أيضا مخطئا خطأ شديدا ، لأنه لا يقابل النعمة بالشكر عليها ، بل تفاخر على الناس ، وقصر في حقوق الله عليه. والسّيئات في قوله تعالى : (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) كل ما يسوء في الدنيا. وقوله سبحانه : (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) أي متماد في الفرح والبطر ، متفاخر على غيره.