ذكر الله تعالى في سورة هود سبع قصص للأنبياء : وهي قصة نوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب ، وموسى عليهمالسلام ، ثم عقبها ببيان جلي لما فيها من العظة والعبرة. وهي دليل على صدق نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم لإخباره عن تلك القصص الغائبة أو المجهولة ، من غير مطالعة كتاب ، ولا مدارسة مع معلم ، وهي معجزة عظيمة تثبت النّبوة ، كما قال تعالى : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ...) [يوسف : ١٢ / ١١١].
ومعنى الآيات : ذلك النبأ المذكور عن العقوبات النازلة بالأمم المتقدمة ، ـ والأنباء : الأخبار ـ مقصوص عليك أيها النّبي ، لتخبر به الناس ، ويتلوه المؤمنون إلى يوم القيامة ، تبليغا عنك. ومن تلك القرى الظالمة المهلكة ماله أثر باق قائم كالزرع القائم على ساقه كقوم صالح ، ومنها ما اندرس وباد ، حتى لم يبق له أثر كالزرع المحصود ، مثل قرى قوم لوط.
هذا وصف لأوضاع تلك القرى ، وأعقبه بيان مبدأ العقاب الجوهري : أنه قائم على العدل وعدم الظلم ، فذكر الله تعالى أنه ما ظلمناهم بإهلاكهم من غير ذنب ، ولكن ظلموا أنفسهم بتكذيبهم الرسل وكفرهم بهم ، وشركهم وإفسادهم في الأرض ، وادّعائهم أن آلهتهم المزعومة تدفع عنهم المخاوف والمخاطر المستقبلية ، ولكنها في الواقع ما نفعتهم شيئا ، ولا دفعت عنهم بأس الله ، بل ضرّتهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ويدعونها من دون الله ، إنها لم تنقذهم من الهلاك. والمراد بقوله تعالى : (الَّتِي يَدْعُونَ) أي التي كانوا يعبدون من دون الله ، حينما جاء أمر ربك بالعذاب ، (وَما زادُوهُمْ) أي ما زادتهم عبادة الأصنام غير الوقوع في العنت والخسران والهلاك ؛ لأن سبب هلاكهم ودمارهم إنما كان باتّباعهم تلك الآلهة الباطلة ، فخسروا الدنيا والآخرة.