الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (١٠٢) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)) (١) [النّحل : ١٦ / ٩٨ ـ ١٠٣].
تبين الآيات مبدأ تعظيم القرآن ، فإذا أخذت في قراءة القرآن ، أيها النبي وكل مؤمن ، فاستعذ بالله ، أي الجأ إلى الله من وساوس الشيطان المرجوم ، الملعون المطرود من رحمة الله ، حتى لا تلتبس عليك القراءة أو التلاوة ، ولتتدبر معاني القرآن ، والتعوذ مندوب إليه بالإجماع ، كما حكى ابن جرير وغيره من الأئمة. علما بأن جنس الشيطان ليس له قوة ولا حجة ، ولا تسلط على المصدّقين بلقاء الله ، والمتوكلين عليه المفوضين أمورهم إليه. إنما تسلط الشيطان بالغواية والإضلال على الذين يطيعونه ، ويتخذونه وليا ناصرا لهم من دون الله ، والذين هم أشركوا بالله غيره في العبادة والطاعة. وفي الآيات رد على شبهتين لمنكري النبوة ، المتأثرين بوساوس الشيطان :
الشبهة الأولى ـ أن الله تعالى إذا نسخ لفظ آية بلفظ آخر أو بدّل معناها وإن بقي لفظها ، والله أعلم بما ينزله من القرآن ، قالوا : لو كان من عند الله لم يتبدل ، وإنما هو من افتراء محمد ، فهو يعدل عن الخطأ إلى الصواب ، فأخبر الله أنه أعلم بما يصلح للعباد برهة من الدهر ، ثم ما يصلح لهم بعد ذلك ، وأنهم لا يعلمون هذا ، ولا يدركون ما في التبديل من حكمة ومصلحة للناس.
نزلت هذه الآية حين قال المشركون كفار مكة : إن محمدا ، عليه الصلاة والسلام ، سخر بأصحابه ، يأمرهم اليوم بأمر ، وينهاهم عنه غدا ، أو يأتيهم بما هو أهون عليهم ، وما هو إلا مفتر يقوله من تلقاء نفسه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي بعدها.
__________________
(١) يميلون وينسبون إليه أن يعلّمه.