لما وصف الله تعالى مقالة الكفار الذين قالوا عن القرآن : إنه أساطير الأولين ، عادل ذلك ببيان مقالة المؤمنين أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأوجب لكل فريق ما يستحق ، لتباين المنازل بين الكفر والإيمان.
وإذا قيل لأهل التقوى والإيمان بالله ورسوله والمحسنين أعمالهم : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) قالوا : أنزل الله في الوحي على نبينا خيرا ، من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ، ونعيم في الآخرة ، بدخول الجنة ، ودار الآخرة خير من دار الدنيا ، ونعمت الدار دار المتقين الذين أطاعوا الله واجتنبوا نواهيه.
أخرج الإمام أحمد ومسلم عن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله عزوجل لا يظلم المؤمن حسنة ، يثاب عليها الرزق في الدنيا ، ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيعطى بحسناته في الدنيا ، فإذا لقي الله عزوجل يوم القيامة ، لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا».
والسائل للمتقين : هم الوافدون من المشركين على المسلمين في أيام المواسم والأسواق ، فكان الرجل يأتي مكة ، فيسأل المشركين عن محمد وأمره ، فيقولون : إنه ساحر وكاهن وكذاب ، فيأتي المؤمنين ، ويسألهم عن محمد وما أنزل الله عليه ، فيقولون : أنزل خيرا.
ثم وصف الله دار المتقين بأنها جنات عدن ، أي إقامة ، تجري بين أشجارها وقصورها الأنهار ، ونعيمها دائم ميسّر غير ممنوع ، وللمحسنين في الدنيا ما يتمنون ويطلبون في الجنات ، كما قال الله تعالى : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [الزخرف : ٤٣ / ٧١] وهذا جزاء التقوى والمتقين ، ومثل ذلك الجزاء الطيب ، يجزى الله كل من آمن به واتقاه ، وتجنّب الكفر والمعاصي ، وأحسن عمله ، وهذا حث على ملازمة التقوى ، وإغراء للمتقين بالاستزادة من أعمال الخير.