اتصاف المشركين بصفة السوء
على الرغم من انحطاط مستوى الشرك والمشركين ، يوازن الله تعالى بين ما هم عليه من أوصاف السوء والشّبه القبيح ، وبين ما عليه الرب ذاته من الوصف الأعلى والكمال المستقر المتنزه عن أي شريك أو شبيه أو ولد ، ومع هذه المقارنة ، يحلم الله على الظلمة من الناس ، الذين يكفرون به فلا يعجل بإنزال العقاب عليهم ، وإنما يؤخرهم لأجل آخر معين في علمه وتقديره ، وحينئذ يأتي العذاب الشديد بعد الإمهال وفوات الأوان من غير استفادة من الفرص الفائتة ، وهذا ما وصفته هذه الآيات الكريمة :
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)) (١) (٢) (٣) (٤) [النّحل : ١٦ / ٦٠ ـ ٦٢].
تصف هذه الآيات مواقف المشركين في الجملة ، فهم بعدم تصديقهم بالآخرة وما فيها من حساب وعقاب وجنة ونار ، لهم مثل السوء ، والصفة التي لا أسوأ منها في القبح ، فضلا عن نسبتهم البنات لله تعالى ، وكراهة الإناث ووأدهن خشية الفقر أو الإملاق ، والإقرار على أنفسهم بالشح البالغ. ولله تعالى الصفة العليا والكمال المطلق ، فهو الإله الواحد المنزه عن الولد والوالد والشريك ، وهو الغني عن العالمين ، والمنزه عن صفات المخلوقين ، وهو الجواد الكريم ، والبرّ الرؤوف الرحيم ، وهو سبحانه العزيز ، أي القوي الذي لا يغلب ، الحكيم في صنعه الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة السديدة ، ووضع الأمور فيما يناسبها.
__________________
(١) صفته القبيحة.
(٢) أي : الجنة.
(٣) حقا أو لا محالة.
(٤) أي : متروكون في النار ، مقدّمون إليها.