واقتضت رحمته تعالى أن يمهل الكفار ، ولا يعاجلهم بالعقاب ، ويحلم على سوء تصرفاتهم وظلمهم ، فلو أنه يؤاخذهم بذنوبهم ومعاصيهم ويعاقبهم على جرمهم على الفور ، ما ترك على ظهر الأرض من دابة ، وأهلك جميع دواب الأرض ، تبعا لإهلاك بني آدم ، ولكنه جل جلاله ستّار غفور رحيم ، يؤخرهم إلى أجل مسمى ، فلا يعجل لهم العقوبة ، لأنه لو فعل ذلك بهم ، لما أبقى أحدا.
روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بلى والله ، حتى إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم.
فإذا حان أجل العقاب والهلاك والعذاب ، وذلك بحسب مقتضى الحكمة ، فلا يستأخرون ساعة ، ولا يتقدمون قبله ، حتى يستوفوا أعمارهم. روى ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ذكرنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «إن الله لا يؤخر شيئا إذا جاء أجله ، وإنما زيادة العمر بالذرية الصالحة ، يرزقها الله العبد ، فيدعون له من بعده ، فيلحقه دعاؤهم في قبره ، فذلك زيادة العمر».
ثم يؤكد الله تعالى سوء فعل المشركين حين ينسبون إلى الله ما يكرهون لأنفسهم من البنات ومن الشركاء الذين هم عبيد الله ، وهم يأنفون أن يكون لأحدهم شريك في ماله. ويكذبون في دعواهم أن لهم العاقبة الحسنة في الدنيا ، وفي الآخرة ، وهي الجنة على هذا العمل. روي أنهم قالوا : إن كان محمد صادقا في البعث ، فلنا الجنة بما نحن عليه ، فردّ الله عليهم مقالهم بقوله : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أي حقّا أن لهم النار التي تحرقهم ، وأنهم متروكون فيها ، أو معجل بها إليهم ، وهم في العذاب باقون.
ومعنى الآية بإيجاز : يجعلون لله المكروه ، ويدّعون مع ذلك أنهم يدخلون الجنة ،