المعجل في الدنيا ، إن كنت صادقا في ادّعائك أن الله يعذبنا على عصيانه في الدنيا قبل الآخرة.
والجدال نوعان : محمود ومذموم مكروه ، أما المحمود : فهو ما كان بالحسنى مع إنسان يطمع بالجدال أن يهتدي ، ومنه قوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النّحل : ١٦ / ١٢٥]. وأما الجدال المذموم أو المكروه : فهو ما يقع بين المسلمين بعضهم مع بعض في طلب علل الشرائع ، وتصور ما يخبر به الشرع من قدرة الله. وقد نهى النّبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، وكرهه العلماء.
أجاب نوح قومه عن اتّهامه بكثرة الجدال قائلا : ليس إنزال العذاب أو العقاب بيدي ، وليس لي توقيته ، وإنما ذلك بيد الله ، وهو الآتي به إن شاء وإذا شاء ، ولستم من المنعة بحال من يفلت أو يعتصم لتنجوا ، وإنما أنتم في قبضة القدرة الإلهية ، وتحت سلطان الملك الإلهي ، وليس نصحي بنافع ، ولا إرادتي الخير لكم مغنية إذا كان الله تعالى قد أراد بكم الإغواء والإضلال والإهلاك ، الله ربّكم ، أي خالقكم والمتصرّف في أموركم ، وهو الحاكم العادل الذي لا يجور ، وإليه ترجعون في الآخرة ، فيجازيكم بما كنتم تعملون في هذا العالم من خير أو شرّ.
ومعنى قوله تعالى : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) بيان ربط الأسباب بالمسببات ، فمن تسبب في الضّلال والغواية أضلّه الله ، وليس معنى الآية : أن الله يخلق الغواية والشقاوة فيهم ، فذلك منوط بالعمل والكسب ، والنتائج متوقفة على المقدمات.
وقوله سبحانه : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ..) إما اعتراض في قصة نوح ، كما ذكر الطّبري وغيره ، وهي في شأن محمد صلىاللهعليهوسلم مع كفار قريش الذين قالوا : افترى محمد القرآن ، وافترى هذه القصة على نوح ، فنزلت الآية في ذلك. ويحتمل كون الكلام في شأن نوح عليهالسلام ، فإن قومه زعموا أن العذاب الذي توعّدهم به أمر مفترى