لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)) (١) (٢) (٣) [يونس : ١٠ / ١١ ـ ١٢].
قال مجاهد : «نزلت في دعاء الرجل على نفسه أو ماله أو ولده ونحو هذا ، فأخبر الله تعالى أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابتهم إلى الخير لأهلكهم». وقيل : إن هذه الآية نزلت بمناسبة قوله تعالى واصفا طيش المشركين : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٨ / ٣٢]. وقيل : نزلت في قوله تعالى : (ائْتِنا بِما تَعِدُنا) [الأعراف : ٧ / ٧٧] وما جرى مجراه.
والمعنى : إن الإنسان كما يتعجّل الخير ، لأنه يحبّه ، يتعجّل الشرّ حين يغضب ويضجر ، فلو استجاب الله للناس دعاءهم في حال الشرّ ، كاستعجالهم تحقيق الخير ، لأميتوا وهلكوا ، مثل استعجال مشركي مكة إنزال العذاب عليهم ، كما قال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) [الرّعد : ١٣ / ٦].
وسمى الله تعالى العذاب شرّا في هذه الآية ، لأنه أذى في حقّ المعاقب ، ومكروه عنده ، كما سماه سيّئة في آية : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) ولكنه سبحانه وتعالى بحلمه ولطفه بعباده لا يستجيب للناس دعاءهم في الشرّ ، إمهالا لهم وتركا لفرصة التّأمل والتفكير ، إذ لو أجابهم لانتهى أمر وجودهم وهلكوا ، كما هلك الذين كذبوا الرّسل ، وربما آمن بعضهم بالله. وأما عذاب سائر الكفار فيتركه إلى يوم القيامة ، فيترك الذين لا يتوقعون لقاء الله ولا يؤمنون بالبعث ، في طغيان الكفر والتكذيب ،
__________________
(١) في تجاوزهم الحدّ في الكفر يتحيّرون.
(٢) استغاث بنا لكشفه في حال الاتكاء على جنبه.
(٣) استمر على حالته الأولى.