كما تقول لرجل : أنت تعصي الله ، وتقول ـ مع ذلك ـ : إنك تنجو ، أي إن ذلك لبعيد مع هذا.
إن مثل هذا التفكير هو شأن المغرورين الحمقى الذين نجدهم في كل زمان ومكان ، إنهم مقصرون في طاعة الله تعالى ، متجاوزون للحد في معاصي الله ، ثم يتأملون أنهم في الجنان ، وأنهم ناجون غير محاسبين ، وهذه صفة الأبله والأحمق الذي لا يدرك ما يقول.
وعيد المكذبين للرسل
لم يهمل الله أمة من الأمم في بيان طريق إسعادها واستقامتها ، فأرسل لهم الأنبياء والرسل مبشرين ومنذرين ، ومرشدين إلى الحق والطريق الأقوم ، ولكن الأمم في الغالب كذبوا الرسل وعادوا منهج الإصلاح ، وصبر الأنبياء في تبيان مهامهم وإيضاح وحي ربهم وكتبه ، وردّ الشبهات التي يوردونها ، ومجادلتهم بالحسنى وإقناعهم بالكلمة الطيبة ، ولم يختلف منهج رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم عن هذه الخطة ، وكان له أسوة بمن سبقه ، قال الله تعالى مبينا موقف الأمم من الرسل وتبليغ الرسل وحي الله تعالى :
(تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤)) [النّحل : ١٦ / ٦٣ ـ ٦٤].
هذه الآية لضرب المثل بالأمم الماضية ، تتضمن الوعيد والتهديد لهم ولمن سار على منوالهم ، وهي أيضا تأنيس للنبي صلىاللهعليهوسلم بعقد المقارنة أو الموازنة بين موقف قومه ومواقف الأمم السابقة ، فلا داعي لإيقاع نفسه في دائرة الهموم والأحزان بسبب صدود قومه عن رسالته ، وجهالتهم وعنادهم.