العنادية ، تبيانا للواقع ، وتهدئة لنفس النّبي ، ووعدا بنصره. وهذا الموقف يتجلى في أنه إن أريناك يا محمد في حياتك بعض وعيد المشركين من خزي ونكال ، أو توفيناك قبل إرادتك ذلك ، فما عليك إلا تبليغ رسالة ربّك ، فمهمتك تبليغ رسالة الله ، وقد فعلت ما أمرت به ، وليس عليك تحقيق النتائج والتوصل إلى صلاحهم ، وعلينا حسابهم ومجازاتهم على ما قدموا من خير أو شرّ. وقوله سبحانه : (وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) بتخصيص البعض بالذّكر : مفهومه أن الأعمار تقصر عن إدراك جميع ما تأتي به الأقدار ، مما يوعد به الكفار ، وأن فتوحات المسلمين تأتي في المستقبل.
ألم ير أولئك المشركون في مكة أن الله يأتي إلى أرض الكفر ، فينقصها شيئا فشيئا ، ويفتحها المسلمون تدريجا ، أرضا بعد أرض ، ويتحقق لهم النصر ، وتتسع أرض الإسلام على التوالي ، حتى يعمّ الدنيا. والله يقضي القضاء المبرم ، ولا يردّ حكمه النافذ ، وليس لأحد أن يتعقّب أحكام الله ، أي ينظر في أعقابها ، فيناقشها أو يبطلها ، وينظر أهي مصيبة أم لا؟ والله محاسب عباده قريبا في الآخرة ، وعقابه آت لا محالة ، فلا تستعجل عقابهم أيها النّبي ، فإن الله محاسبهم ومعذّبهم في الآخرة بعد أن عذّبهم في الدنيا بالقتل والأسر والهزيمة. وسرعة حساب الله واجبة ؛ لأنها بالإحاطة والشمول ، وليست بعدد قليل أو كثير.
وأما مكائد قومك قريش أيها النّبي فاصبر عليها ولا تأبه بها ، فلقد مكر الكفار السابقون برسلهم ، وأرادوا طردهم من بلادهم ، وعذّبوهم ، كما فعل النمرود بإبراهيم ، وفرعون بموسى ، واليهود بعيسى ، وكما فعلت عاد وثمود وإخوان لوط ، فمكر الله بهم ، أي أحاط بمكرهم وأحبط خططهم وتدابيرهم. والمكر : ما يتمرّس بالإنسان ، ويسعى عليه ، سواء علم بذلك أو لم يعلم. وقوله سبحانه : (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ