هذا نفي قول من قال من قريش : «إن محمدا يفتري القرآن ، وينسبه إلى الله تعالى» وهو تشنيع لقولهم وإعظام للأمر ، فإن القرآن الكريم هو المعجزة الباقية الخالدة ، الدّالّة على صدق النّبي صلىاللهعليهوسلم. وهو كلام الله قطعا ، وإعجازه وتحدّي العرب به دليل على ذلك.
ومعنى الآية : ما من شأن القرآن أن يختلق ويصاغ من غير الله تعالى ، لأن تميّزه بأرقى درجات البلاغة والفصاحة ، وإحكام تشريعه ، وإخباره عن المغيبات ، وإعجازه العلمي ، واشتماله على المعاني الشاملة الخصبة النافعة في الدنيا والآخرة ، كل ذلك برهان قاطع على أن القرآن من الله سبحانه ، فهو كلامه الذي لا يشبه كلام المخلوقين في جملته وتراكيبه ، ولا يقدر أحد أن يجاريه أو يعارضه.
لقد ثبت أن أبا جهل فرعون هذه الأمة قال : إن محمدا لم يكذب على بشر قط ، أفيكذب على الله؟!
إنه ـ أي القرآن ـ مصدّق ومؤكد ما تقدمه من الكتب الإلهية المنزلة على الرسل ، كإبراهيم وموسى وعيسى وداود من الصحف والتوراة والإنجيل والزبور ، وموافق لها في أصول الدعوة إلى توحيد الله ، والإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر ، وتقرير صالح الأعمال ، وبيان فضائل الأخلاق ، وهو أيضا مهيمن عليها ، ومبيّن ما لها وما عليها ، كما قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٥ / ٤٨].
ومعنى قوله سبحانه : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) أي وفي القرآن بيان الأحكام والشرائع ، والحلال والحرام ، والعبر والمواعظ ، والآداب والأخلاق بيانا شافيا كافيا. ولا شك في ذات القرآن أبدا ، وإن ارتاب مبطل فيه ، فلا يلتفت إليه ، إنه كلام ربّ العالمين المنزل بالوحي على نبيّه الأمين ، بدليل سلامته عن الاضطراب والاختلاف.