على صدق الرسول يوسف وغيره ، وموضحة عاقبة البغي عليه وصدق رؤياه وصحة تأويله ، فذلك خبر عجيب يستحق الإخبار عنه.
قال إخوة يوسف : والله ليوسف وأخوه بنيامين شقيقه أحبّ إلى أبينا منا ، وهما صغيران ، ونحن رجال عشرة ، جماعة تضرّ وتنفع ، وتحمي وتخذل ، أي لنا كانت تنبغي المحبة والمراعاة ، إن أبانا لفي خطأ واضح ، مجاف للصواب ، بإيثار يوسف وأخيه علينا بالمحبة ، وتركه العدل والمساواة في المحبة ، فكيف يفضّل ولدين صغيرين ضعيفين ، لا كفاية فيهما ولا منفعة ، على رجال أشداء ، وكيف يحب الاثنين أكثر من الجماعة؟!
وهذا خطأ منهم ؛ لأن يوسف وأخاه صغيران يتيمان ، ماتت أمهما ، والأب عادة يعطف على الصغير حتى يكبر ، وعلى المريض حتى يشفى ، وعلى الغائب حتى يعود. فهم لم يدركوا أسباب هذه العاطفة ، وبيّتوا مؤامرة.
وهي أن بعضهم قال : اقتلوا يوسف حسما للمشكلة ، أو أبعدوه وانبذوه في أرض مجهولة عن العمران ، فلا يستطيع الرجوع إلى أبيه ، وتتمحض محبّة أبينا لنا ، ونكون بعد قتله أو طرحه أرضا قوما تائبين إلى الله من جنايتنا عليه ، وهذا هو الأظهر من اللفظ ، وهو قول الجمهور في أن المراد من قولهم : (قَوْماً صالِحِينَ) معناه التوبة.
فقال أكبرهم سنّا وهو روبيل ، أو أحلمهم وهو يهوذا ، أو أشجعهم وهو شمعون :
لا تقدموا على قتل يوسف ، فإن القتل جريمة عظيمة ، وهو أخوكم ، ولكن ألقوه في أسفل البئر ، يلتقطه بعض المسافرين الذين يسيرون في الأرض للتجارة ، فتستريحوا منه بهذا ، ويتحقق غرضكم وهو إبعاده عن أبيه ، ولا حاجة إلى قتله ، إن كنتم فاعلين ، أي عازمين على ما تقولون ، وفاعلين ما هو الصواب ، فهذا هو الرأي.