تمثّل هذه المؤامرة الطبيعة البشرية الدنية ، فهؤلاء الإخوة دفعهم البغض والحسد والغيرة ، على الإقدام على جريمة القتل أو التعريض للخطر ، حرصا على المصلحة الذاتية ، علما بأن الأب يعقوب عليهالسلام لم يفضّل يوسف وأخاه إلا في المحبة ، والمحبة أمر قلبي ليست في طاقة البشر ، فيكون معذورا فيها غير ملام عليها.
وأخطأ الإخوة إذ قالوا : نرتكب الجناية ثم نتوب ، على شاكلة ما يفعله بعض الجهلة الطائشين الذين يقدمون على المعصية عمدا ، ثم ينوون التوبة ، وهذا عمل طائش وفعل يعدّ مهزلة واستهزاء وتهورا ، لأن قبول التوبة لا يكون لمن صمم على الجناية ، وتوغّل في سوئها وفحشها ، وتعمد ارتكابها.
وأخطأ الإخوة أيضا حين اتفقوا على قطيعة الرحم ، وقسوة الفعل بأخيهم ، وقلة الرأفة ، وعقوق الوالد ، وهم يعلمون أن أباهم يعقوب من الرسل الكرام ، وربما يطلعه الله على فحش فعلهم وسوء صنيعهم. إنهم في الواقع كانوا متهورين ، عميا عن تقدير النتائج ، قصيري النظر ، سذّجا في التفكير ، بل كانوا قساة القلوب ، عصاة للرّب ، مسيئين للوالد الشيخ الكبير إساءة بالغة.
تنفيذ إخوة يوسف مؤامرتهم
تدارس إخوة يوسف فيما بينهم في أسلم الطرق التي ينجحون فيها في تنفيذ مؤامرتهم ، حول أخيهم يوسف عليهالسلام ، والحاجز الوحيد أمامهم هو كيفية خداع أبيهم يعقوب عليهالسلام ، فتظاهروا مكرا بمحبته ومؤانسته لأخذه معهم ، وأظهروا استعدادهم للحفاظ عليه ، وقوتهم في الدفاع عنه ، وأنهم قادرون على حراسته وحمايته من الذئب المفترس. ولما ألقوا يوسف في البئر وعادوا ، زعموا أن الذئب أكله ، ولطّخوا قميصه بدم كذب ، فما انطلت الحيلة على أبيهم يعقوب ،