لقطع الأترج ونحوه من اللحم والفاكهة ، وأمرت يوسف بالخروج عليهن ، بعد إخفائه في مكان قريب ، واستغلت وقتا مناسبا هو وقت انشغالهن بالأكل والقطع.
فلما خرج ورأينه ، دهشن لجماله الفائق وحسنه الرائع ، وجعلن يقطّعن أيديهن ، اندهاشا برؤيته ، وقلن على الفور : حاشا لله ، أي تنزيها له عن العجز ، وتعجبا من إبداع الخلق لجميل مثل يوسف ، ما هذا بشرا ، إنّ هذا إلا ملك كريم من الملائكة ، تمثّل في صورة بشر ، والمقصود إثبات الحسن العظيم له ، إذ ليس في تصور الإنسان أجمل من الملائكة ، ولا أقبح من الشيطان ، فالتّشبيه بالملك من قبيل التشبيه بالمستعظمات ، وإن كانت لا ترى ، روي عن النّبي صلىاللهعليهوسلم أن يوسف أعطي نصف الحسن (١).
فقالت امرأة العزيز ، وقد نجحت في انبهارهن بجماله الفتّان : فذلكن الذي وجهتن اللوم إلي بسببه ، وعبتن علي فعله. ثم توعدت يوسف بالعقاب قائلة : أنا راودته عن نفسه ، فامتنع ، ولئن لم يفعل ما آمره به في المستقبل القريب ، ليزجنّ به في السجن ، وليكونن من الأذلاء المقهورين. وهذا دليل على أن حبّه أعماها عن كل شيء.
قال يوسف : يا ربّ أنت ملاذي وملجئي ، إن السجن الذي توعّدت به ، أحبّ إلي مما يدعونني إليه هؤلاء النّسوة من الفاحشة وارتكاب المعصية. وإن لم تنجني أنت هلكت ، وإن لم تصرف عني كيدهنّ ومكرهنّ ، أمل إليهن ، وأكن من الجهلة الطائشين. وهذا استسلام لله تبارك وتعالى ، ورغبة إليه ، وتوكّل عليه ، وشكوى إلى الله من حاله مع النّسوة ، والدعاء إليه في كشف بلواه.
فأجابه ربّه إلى إرادته ، وحقّق دعاءه ، وصرف عنه كيدهن ، في أن حال بينه وبين
__________________
(١) أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم عن أنس بلفظ «أعطي يوسف وأمه شطر الحسن».