دعوته إلى مخالطتها ومواقعتها ، فبعد أن أغلقت الأبواب عليه ، قالت : هيت لك ، أي هلم أقبل وتعال وبادر إلى الوقاع ، فقال مستعينا بربّه : معاذ الله ، أي أعوذ بالله ، وألتجئ إليه أن أكون من الجاهلين ، إن سيدي ومالكي قطفير أحسن منزلي ومقامي ، فلا أقابله بالخيانة ، إنه لا يفلح الظالمون ، الذين يقابلون أو يجازون الإحسان بالإساءة ، والمعروف بالنكران ، فلا يصلح أن أخونه وقد أكرم مثواي وائتمني ، ومن حفظ حق الآدمي لإحسانه ، فهو أحرى أن يحفظ ربّه ، فلا يعصيه ولا يخالف أمره.
ولقد همت زليخة في أن يواقعها يوسف ، وأما يوسف الذي لم يكن نبيّا في وقت هذه الحادثة ، فلم يهمّ بها بسوء ، لرؤيته برهان ربّه : وهو قانون الله تعالى في تحريم الزنى ، والعلم بما يستحق الزاني من العقاب ، والتفكّر في عذاب الله ووعيده على المعصية ، فلو لا رؤيته برهان ربّه ، لفعل أو لارتكب المعصية ، فذلك هو الذي منعه من هم السوء ، لأن خشية الله الحقيقية تعصم الإنسان من الانزلاق والانحراف. ومثل ذلك التثبيت على العفة أمام المغريات ودواعي الفتنة ، ثبتناه ووقيناه من السوء والفحشاء في جميع أموره ، إن يوسف من عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم لوحيه ورسالته ، فلا يتمكن الشيطان من إغوائهم.
وحدثت المفاجأة المخجلة ، وقدم زوج زليخة عزيز مصر ، وتسابق يوسف وهي إلى الباب ، يوسف يريد الفرار ، وهي مسرعة لمنعه من الخروج. ولحقته في أثناء هربه ، وقطّعت أو مزّقت قميصه من الخلف. ثم بادرت إلى الافتراء عليه ، قائلة لزوجها : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فإنه يستحق إما السجن أو التعذيب المؤلم.
فقال يوسف مدافعا عن نفسه : هي التي راودتني عن نفسي ، وشهد شاهد من أهلها إما إنسان خارج المكان ، أو حال القميص وتخريقه ، فإن كان شقّ القميص من