الرؤيا ، لأنه ليس الخبر كالعيان. وهذا الطلب يدل على فضيلة العلم وعلى منزلة العلماء الذين يستشارون في مهام الأمور ، فكان مقابل هذا مطالبة يوسف عليهالسلام التحقيق في تهمة امرأة العزيز له ، وسبب الزّج به في السجن.
امتنع يوسف من الاستجابة لرسول الملك بمواجهته وإخراجه من السجن ، وإحضاره له ، وقال له : ارجع إلى سيدك ، فاسأله عن حال النّسوة اللاتي جرحن أيديهن ، لأني لا أريد أن آتيه ، وأنا متّهم بمسألة سجنت من أجلها ، واطلب من الملك أن يحقق في تلك القضية قبل أن آتيه ، ليعرف حقيقة الأمر ، إن ربي عزوجل العالم بخفايا الأمور عليم بكيد النساء وتدبيرهن وما دبّرن لي من كيد.
فجمع الملك النّسوة اللاتي قطّعن أيديهن عند امرأة العزيز ، فقال مخاطبا لهن كلهن ، وهو يريد امرأة العزيز وزيره الأول : ما شأنكن وخبركن حين راودتن يوسف عن نفسه ، يوم الضيافة ، قلن : حاشا لله ، أي معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء أو يكون متّهما ، والله ما علمنا عليه سوءا في تاريخه الطويل.
وقالت امرأة العزيز حينئذ : الآن تبيّن الحق وظهر بعد خفائه ، أن راودت يوسف من نفسه ، لا هو ، فامتنع واستعصم ، وإنه لصادق في قوله ، لم يكذب أبدا. ثم أردفت قائلة : ذلك الاعتراف مني بالحق ، ليعلم يوسف أني لم أخنه أثناء غيبته بأن أكذب عليه ، أو أرميه بذنب هو بريء منه ، والمراد أن توبتي وإقراري ليعلم أني لم أخنه بالغيب ، وليعلم أن الله تعالى لا يهدي كيد الخائنين ، أي لا يسدده ولا ينجحه ، بل يبطله ويبدد أثره ، فهذا من كلام امرأة العزيز.
وقال جماعة من أهل التأويل في آية : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢)) : هذه المقالة هي من يوسف عليهالسلام ، أي ، ذلك ليعلم العزيز سيدي أني لم أخنه في أهله ، وهو غائب ، وليعلم أيضا أن الله تعالى لا يهدي