كيد خائن ، ولا يرشّد سعيه ، أي لا يكمله ، ولا يمضيه على طريق إصابة أو صواب. وفي هذا تعريض بامرأة العزيز في خيانتها أمانة زوجها ، وتعريض بزوجها في خيانته أمانة الله ، حين ساعدها بعد ظهور الآيات المصدقة له على حبسه.
وعلى أي حال ، سواء أكانت المقالة من يوسف عليهالسلام أم من امرأة العزيز ، فهي تقرّر مبدءا عظيما أو قاعدة صلبة : وهو أن الواجب يقضي بحفظ الأمانات والعهود ، وصون حرمة الغائب ، سواء كان زوج المرأة وهو عزيز مصر ، أو كان يوسف عليهالسلام ، فإن الدفاع عن الغائب في مجلس أمر توجبه المروءة والحق وحفظ العهد والميثاق ، والمبدأ الثاني : هو أن الله تعالى لا يسدّد عمل خائن ، ولا يكمله ولا يحقق غاية أو هدفا ، وهذا تطمين لأولئك المظلومين أو المستضعفين المقهورين ، الذين يتولى الله تعالى مناصرتهم والدفاع عنهم ، وحمايتهم من الظلم والسوء في النهاية ، كما جاء في آية أخرى : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)) [الحج : ٢٢ / ٣٨].
تولّي يوسف عليهالسلام قيادة الحكم في مصر
أدانت زليخة امرأة العزيز نفسها ، واعترفت بالحق والواقع الذي صدر منها ، وهذه فضيلة وصراحة وجرأة ، وتبيّن للملك براءة يوسف وعفّته وسجنه بغير حق ، كما تبيّن له أمانته ، وصبره وجلده ، وتيقن حسن خلاله ، وطيب فعاله ، فولاه مقاليد الأمور في مصر ، وهذا دليل الحكمة والوعي والرشد ، وكان ذلك تمهيدا لارتقاء يوسف أعلى المنازل وتحقيق مراد الله تعالى في خضوع إخوته له واحتياجهم إليه. قال الله تعالى مبيّنا هذه الأحوال :
(وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣) وَقالَ