وحال المتقين عند الاحتضار أو الموت على عكس حال الكفار والمشركين ، تقبض الملائكة أرواحهم طاهرين طيبين من الشرك والمعصية وكل سوء ، وتسلّم عليهم الملائكة وتبشرهم بالجنة عند قبض الأرواح ، تقول لهم : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي سلام عليكم من الله ، وأمان لا خوف ، وراحة لا مكروه ، ادخلوا الجنة التي أعدها لكم ربكم بسبب أعمالكم الطيبة وأفعالكم الخيرة الحسنة ، ولما بشرتهم الملائكة بالجنة ، صارت الجنة كأنها دارهم ، وكأنهم فيها ، وهي خاصة بهم ، لا يشاركهم فيها غيرهم ، وهذا مثل الوارد في آية أخرى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠)) [فصّلت : ٤١ / ٣٠].
وقوله تعالى : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) عبارة عن صلاح حالهم واستعدادهم للموت ، وهذا بخلاف ما قال الله تعالى في الكفرة : (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) أي بالكفر والشرك والضلال. و (الطيب) : هو الذي لا خبث معه ، ومنه قوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزّمر : ٣٩ / ٧٣].
وقوله سبحانه : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تعبير عن قانون العدل ، حيث جعل الله الأعمال أمارة لإدخال العبد الجنة ، ولا يتعارض هذا مع الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما : «لا يدخل أحد الجنة بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة». فهذا تعبير عن مقتضى الرحمة التي هي فوق العدل ، ومن الرحمة أن يوفق الله العبد إلى أعمال برّة. والقصد من الحديث نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل ، كما ذهب إليه فريق من المعتزلة ، وإنما دخول الجنة بمحض فضل الله وإحسانه وتعميم رحمته.