اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨)) (١) [إبراهيم : ١٤ / ١٣ ـ ١٨].
حينما انهزم أهل الضّلال في النّقاش والحجاج العقلي أمام رسلهم ، لجؤوا إلى التهديد والوعيد والإيذاء بالقول والفعل ، وتوعّد الرّسل إما بالطّرد والإبعاد من بلادهم ، وإما بالعودة إلى الوثنية الملّة الموروثة عن الآباء والأجداد ، فأوحى الله لرسله قائلا لهم : لنهلكنّ الظالمين المشركين ، ولنسكننكم أنتم وذرّيتكم أرضهم وديارهم من بعد هلاكهم ، عقوبة لهم على تهديداتهم ، ذلك الإعلان للحكم الموحى به بإهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين ديارهم ، لمن خاف موقفه بين يدي ربّه ، وهاب وعيده بالعذاب والعقاب.
ثم أبان الله تعالى بقوله : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥)) أي إن الرّسل سألوا إنفاذ الحكم بنصرهم وتعذيب الكفرة ، فأجابهم ربّهم لما طلبوا ، ولم ينجح كل جبّار ، أي متعظم في نفسه ، لا يرى لأحد عليه حقّا ، معاند للحق ، منحرف عنه ، فهو عنيد ، أي يعاند ولا ينقاد للحق ، ولا ينصاع لنداء الله بالإيمان. وكان أمام هذا الجبار العنيد جهنم بانتظاره ، بعد حذره وتحفظه ، ويسقى في النار من ماء صديد ، أي مما يسيل من أجساد أهل النار من قيح ودم ، فهو ليس بماء في الحقيقة ، وإنما ماؤه هذا الصديد المتغير الذي يخرج من الجوف. يتحسّاه جرعة بعد جرعة ، ولا يكاد يبتلعه ، لكراهته ، وسوء طعمه ولونه وريحه ، مما يدل على التّألم حين ابتلاعه ، كما جاء في آية أخرى : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [محمد : ٤٧ / ١٥]. ويروى أن الكافر يؤتى بالشربة من شراب أهل النار ، فيتكرهها ، فإذا أدنيت منه ، شوت وجهه ، وسقطت فيها فروة رأسه ، فإذا شربها قطّعت أمعاءه.
__________________
(١) شديد الهبوب.