الولد ، ولا ولد له ، ثم أعطوه أخسّ القسمين من الأولاد وهو البنات ، وهم لا يرضونها لأنفسهم ، لإيثارهم نسبة الذكور إليهم ، كما قال الله تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)) [النجم : ٥٣ / ٢١ ـ ٢٢]. أي جائرة. وقوله تعالى : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) أي إنهم يختارون لأنفسهم البنين ، ويأنفون من البنات التي نسبوها إلى الله تعالى.
ثالثا ـ ومن قبيح أفعال المشركين أنه إذا بشر أحدهم بولادة الأنثى ، ظل وجهه مسودّا ، أي كئيبا عابسا من الهم ، وهو كظيم ، أي ساكت من شدة الحزن والهم. يتوارى من القوم ، أي يكره أن يراه الناس ، من سوء ما بشّر به وهو الأنثى ، وهو متردد بين أمرين : أيمسك المولود الأنثى على هوان وذلّ وعار وكراهة فقر ، لأنها لا تغزو كالولد الفتى ، أم يدفنها في التراب وهي حيّة ، وذلك هو الدس في التراب أو الوأد المعروف المذكور في قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)) [التكوير : ٨١ / ٨ ـ ٩]. ألا بئس ما قالوا ، وما قسموا وما نسبوا لله تعالى ، فإن رزق جميع الأولاد والمخلوقات على الله تعالى. والتبشير في أصل اللغة : هو الخبر الذي يؤثر في تغير بشرة الوجه ، سواء في حال السرور أو في حال الحزن ، وعرفا يستعمل في الخبر السار.
هذه هي الألوان الثلاثة من سوء أفعال المشركين وحكمهم : وهي عبادة الأصنام والتقرب إليها بالذبائح ، ونسبة البنات إلى الله ، والتبرم والتسخط بولادة الأنثى ، وهي نماذج من عقيدة الشرك التي تؤدي بأصحابها إلى مثل هذه القبائح والأحكام الجائرة التي تتنافى مع أصول الحضارة الإنسانية ، وتدلّ على انحدار الفكر ، وضعف العقل ، وفساد الرأي. لذا جاء الإسلام بشرعه يهدم هذه الأفكار ، ليقيم بذلك حضارة صحيحة تقوم على التوجه نحو الله وحده لا شريك له ، وتحترم الإنسان أيا كان ، ذكرا أم أنثى.