وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩)) (١) (٢) (٣) [النّحل : ١٦ / ٥٦ ـ ٥٩].
هذه الآيات تبين فضائح العرب المشركين ، وأعمالهم السيئة التي لا يقرها المنطق السوي ، لعلهم يرجعون ويثوبون إلى رشدهم ، وهنا ألوان ثلاثة من أقوالهم وتصرفاتهم القبيحة :
أولا ـ أنهم من غير حجة ولا برهان صحيح مقبول يجعلون للأصنام ، أي للجمادات نصيبا من رزق الله ، حيث يذبحون لأصنامهم ، ويهدون إليها الهدايا ، ويقسمون لها من الغلات والنتاج ، فهم لا يدركون أن الأصنام لا تضر ولا تنفع ، وهم بهذا أجهل الجاهلين ، مما اقتضى الإنكار عليهم لمصلحتهم في آيات قرآنية كثيرة ، منها ما ذكر هنا ، ومنها قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (١٣)). [الأنعام : ٦ / ١٣٦].
ثم توعدهم الله تعالى على أفعالهم هذه وأمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقسم لهم أنهم سيسألون عن افترائهم الباطل ، وسيجازون عليه أتم الجزاء في نار جهنم ، كما جاء في آية أخرى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ١٥ / ٩٢ ـ ٩٣].
ثانيا ـ من قبائح قول الكفار أنهم يقولون : «الملائكة بنات الله» وعبدوها مع الله سبحانه ، أي تنزه عن الولد والشريك ، كما جاء في آية أخرى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ٤٣ / ١٩]. فأخطؤوا خطأ كبيرا إذ نسبوا إليه تعالى
__________________
(١) أي ممتلئ غما وحزنا.
(٢) يستخفي.
(٣) أي هوان وذل وبلاء.