بإلهام من الله بقوله : أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق ، وأيست من نفسك ، وقد عصيت الله من قبل هذا الوقت ، وكنت من الضّالّين المضلّين عن الإيمان ، وذلك في قوله سبحانه : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).
(فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ...) أي فاليوم ننقذ جسدك من الغرق والارتماء في قاع البحر ، لتكون لبني إسرائيل دليلا أو علامة على موتك وهلاكك ؛ لأنه كان في أنفس المصريين الأقباط : أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق ، ولتكون عبرة لمن بعدك من الناس يعتبرون بك ، فينزجرون عن الكفر والفساد في الأرض وادّعاء الرّبوبية. وفي هذا دليل على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وإرادته.
وليس الأمر مقصورا على فرعون وجنوده في إهمال النظر في الكون وآياته ، للدلالة على وجود الله وتوحيده ، وإنما أكثر الناس غافلون عن حجج الله وأدلّته على أن العبادة لله وحده ، فلا يتّعظون بها ولا يعتبرون ، لعدم تفكّرهم في أسبابها ونتائجها. وفي هذا دلالة على ذمّ الغفلة وترك أو إهمال الفكر والنظر في أسباب الحوادث وعواقبها.
وقد كان هلاكهم يوم عاشوراء من شهر المحرم ، كما صحّ في حديث البخاري عن ابن عباس.
وفي مقابل إغراق فرعون وأتباعه ، أنعم الله على بني إسرائيل نعما أخرى ، فأنزلهم منزلا صالحا للعيش فيه ، ورزقهم من الطيبات ، أي اللذائذ المستطابة المباحة فيها ، وأنعم الله عليهم فيها بكثير من الخيرات ، من الثمار والغلال والأنعام وصيد البر والبحر. ولكنهم جحدوا هذه النعم ، فلم يستحقوا التكريم ، ووقعوا في المنازعات والخلافات في التوراة وفي شأن رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، بعد ما علموا أحكام التوراة وأوصاف نبي آخر الزمان فيما هو مسطر في كتابهم ، فكفر به بعضهم ، وآمن آخرون. إن ربّك يفصل ويحكم بينهم يوم القيامة في شأن ما اختلفوا فيه ، فيميز المحق