أن كل ما سواه محتاج إليه في وقت إحداثه وفي وقت بقائه وحياته ، فكيف يتقى غير الله أو يرهب غير الله تعالى؟!
وإذا كان الواجب ألا يتقى غير الله ، فالواجب ألا يشكر غير الله ، لأنه ما من نعمة بنا من إيمان وسلامة جسد وعافية ، ورزق ونصر ونحو ذلك ، إلا وهي من الله عزوجل ، ومن فضله وإحسانه.
ومفاد الآية : أن على العاقل ألا يخاف ولا يتقي أحدا إلا الله ، وألا يشكر أحدا بحق إلا الله تعالى ، لأن جميع النعم من الله عزوجل.
وإذا تعرض الناس لسوء أو ضرر في النفس من مرض أو خوف أو مشقة ونحو ذلك ، فإلى الله يلجأون ويضجون بالدعاء والسؤال لتفريج الكرب وإزالة الهم ، للعلم بأنه لا يقدر على إزالته إلا الله تعالى.
فإذا كشف الله الضر ، وزال الخوف ، وتحققت السلامة والنعمة ، وانقسم الناس فريقين ، فريق منهم بقي على الإيمان والشكر لله ، وفريق نسي النعمة ، فأشرك بالله غيره في العبادة. وهذا الفريق هم المشركون الذين يرون أن للأصنام أفعالا من شفاء المرضى وجلب الخير ودفع الضر ، فهم إذا شفاهم الله مثلا من أمراضهم ، عظموا أصنامهم ، وأضافوا ذلك الشفاء إليها ، وهذا مثار عجب واستغراب ، فهم في الشدة يضرعون إلى الله ، وفي الرخاء ينسون جانب الله سبحانه.
ويصير أمر هؤلاء المشركين الوقوع في الكفر والضلال ، وإن لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا ، والأظهر أن الكفر هنا كفر النعمة ، لذا استحقوا الوعيد والتهديد ، فقال الله لهم : (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي اعملوا بما شئتم ، وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا في الحياة الدنيا ، فسوف تعلمون عاقبة تمتعكم ، وما ينزل بكم من العذاب ، وتدركون حينئذ سوء ما أنتم عليه. وهذا الأمر المراد به التهديد كثير في آيات القرآن