ويأتيه ألم الموت ، وشدة نزع الروح من كل مكان ، من غير إبقاء شعرة في بدنه ، ولا يراح بالموت ، فلا يموت ، كما جاء في آية أخرى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر : ٣٥ / ٣٦].
وله من وراء ذلك كله عذاب غليظ ، أي شديد صعب مؤلم ، أشد غلظة مما سبقه ، وهو دائم غير منقطع.
ويتأسف الكفار على أعمالهم الصالحة في الدنيا التي ضاعت هدرا ، ولم تنفعهم في الآخرة ، ويكون لهم مثل أو صفة عجيبة ، فالذين كفروا أعمالهم الصالحة من صدقات وصلة أرحام وبرّ والدين ، كمثل الرماد الذي اشتدت به الريح العاصفة ، في يوم عاصف ، أي ذي ريح شديدة قوية عاتية ، فلم يقدروا على شيء من أعمالهم التي كسبوا في الدنيا ، إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد ، في يوم القيامة ، ذلك هو الضلال البعيد ، أي ذلك السّعي والعمل على غير هدى ولا استقامة ولا إيمان : مغرق في البعد عن الحق والنجاة ، حتى فقدوا ثوابه ، لفقدهم شرط قبوله : وهو الإيمان. وشبّهت أعمال الكفار ومساعيهم ـ في فسادها وقت الحاجة وتلاشيها ـ بالرماد الذي تذروه الرياح وتفرقه ، لشدّتها حتى لا يبقى لها أثر ، ولا يجتمع منه شيء. وتبديد ثمرة أعمال الكفار مقرر في القرآن الكريم في آيات كثيرة ، منها قوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)) [الفرقان : ٢٥ / ٢٣].
حوار أهل النار
أوضح الله تعالى في قرآنه صورة متوقعة بين أهل النار وهي الجدال والحوار الحادّ بين الضعفاء والمستكبرين ، وبين الأتباع والسادة ، يدلّ على النّدم الشديد والتّأسف العميق ، لما آل إليه الفريقان من عذاب شديد ، بسبب قصر النظر وضعف الإدراك