وزروعهم وثمارهم ، ولكنّ هؤلاء المكتسبين للدنيا ، الذين لم يغن عنهم اكتسابهم ، ليسوا في شيء ، فإن السماوات والأرض وجميع الأشياء لم تخلق عبثا ولا سدى ، وإنما خلقت بالحقّ ، ولواجب مقصود ، وأغراض لها نهايات ، من عذاب ونعيم. وإن الساعة (القيامة) آتية على جميع أمور الدنيا ، فلا تهتم يا محمد بأعمال قومك ، فإن الجزاء لهم بالمرصاد ، فاصفح عن أعمالهم ، من غير عتب ولا تعرّض ، وهذا يقتضي مهادنة.
ثم آنس الله نبيّه وسرّى عنه في آخر الآيات بأن الله تعالى يخلق ما شاء لمن شاء ، ويعلم تعالى وجه الحكمة في ذلك ، لا هذه الأوثان التي تعبدونها. وهذا تقرير للمعاد ، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة (القيامة) فإنه سبحانه خالق كل شيء ، عليم بكل أجزاء الأجساد المتفتتة ، والجميع صائرون إليه ، محاسبون بين يديه.
توجيهات إلهيّة للنّبي صلىاللهعليهوسلم في تبليغ الدّعوة
اقتضت حكمة الله وخطّته أن يصفح النّبي صلىاللهعليهوسلم صفحا جميلا عن أذى قومه ويعاملهم معاملة سلمية وادعة آمنة ، بالرغم من كثرة المضايقات ، واستدامة الإيذاء والإضرار ، ومقابل هذا الصفح الجميل : إنعام الله على نبيّه بألوان النّعم الكثيرة المتوّجه بإنزال السّبع المثاني (الفاتحة) والقرآن العظيم عليه ، فهو المعجزة الخالدة والمفخرة الدائمة ، قال الله تعالى واصفا هذه النّعم وواضعا توجيهات للنّبي المصطفى صلىاللهعليهوسلم في تبليغ دعوته :
(وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ (١)
__________________
(١) هي الفاتحة ، التي تثنى وتكرّر قراءتها.