أراد فرعون بكل إصرار وعناد التمويه على الناس وصدّهم عن اتّباع موسى ، ومعارضة ما جاء به عليهالسلام من دعوة الحق المبين إلى توحيد الله ، فاعتمد على زخارف السّحرة والمشعوذين ، فانعكس الأمر عليه ، وظهرت البراهين الإلهية على الملأ العام ، وآمن السحرة بالله تعالى ، وخسر فرعون.
ومعنى الآيات : قال فرعون لخدمته وحاشيته لما رأى معجزة العصا واليد البيضاء : ائتوني بكل ساحر حاذق عالم ، ظنّا منه ألا فرق بين المعجزة الإلهية والسحر ، فأتوا به ، فلما جاء السحرة وتجمعوا ، قال لهم موسى : ألقوا ما أنتم ملقون من أفانين السحر ، ليظهر الحق ، ويبطل الباطل.
فلما ألقوا حبالهم وعصيهم ، وخيّلوا بها ، وظنّوا أنهم قد ظهروا وانتصروا ، قال لهم موسى واثقا غير مبال بهم : ما أتيتم به هو السّحر بعينه ، لا ما سماه فرعون سحرا مما جئت به من المعجزة من عند الله. وهذا السحر الذي أظهر تموه إن الله سيبطله ويمحقه ويظهر زيفه قطعا أمام الناس ، بما يفوقه من المعجزة التي هي آية خارقة للعادة ، تفوق السحر وأشكاله المختلفة. وقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) عدة بالإبطال من الله تبارك وتعالى.
وعلة ذلك : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أي لا يثبته ولا يقويه ، ولا يجعله صالحا للبقاء ؛ لأنه محض افتراء والسّحر تخييل وتمويه ، يتبدد ويفنى أمام المعجزة الرّبانية المجراة على يد موسى عليهالسلام.
وتابع موسى عليهالسلام قوله : (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)) أي ويريد الله أن يؤيّد الحق ويظهره ، ويثبّته ويقويه ، وينصره على الباطل بأوامره ووعده موسى ، وذلك ولو كره المجرمون ، أي الظالمون كفرعون وملئه. والمجرم : المجترم الراكب للخطر. وتحقق بالفعل انتصار الحق على الباطل ، كما جاء في