لا يسمعون ، وأنت أيها الرسول لا تستطيع الإسماع النافع لقوم صموا آذانهم عن سماعك ، ولا يعقلون ما يسمعون ولا يفهمون معناه ، فينتفعون به ، فلا تكترث بهؤلاء ، لفساد العقل والدماغ ، ولا سبيل لأن يعقلوا حجة ولا دليلا أبدا.
ومنهم من ينظر إليك أيها النّبي عند قراءة القرآن نظرة إعجاب ، ولكنهم لا يبصرون نور الإيمان والقرآن ، وهداية الدين القويم والخلق السليم ، ولا تقدر على هدايتهم ، لأنهم وإن كانوا مبصرين بأعينهم في الظاهر ، فهم غير مبصرين بقلوبهم في الحقيقة ، كما قال تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحجّ : ٢٢ / ٤٦].
وهذان الفريقان لا تستطيع يا محمد هدايتهم ، لفقدهم الاستعداد للفهم والانتفاع بنور الهداية ؛ لأن فائدة السمع والبصر هي الانتفاع ، فإذا لم ينتفعوا فكأنهم عطلوا حواسهم ، وفقدوا حاستي السمع والبصر ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧)) [ق : ٥٠ / ٣٧].
ثم ختمت هذه الآيات بخاتمة تعدّ مبدءا عظيما في الحساب والمسؤولية ، وهي إقرار العدل ومنع الظلم والترفع عنه ، فإن الله تعالى لا يجور أبدا ، بسلب الحواس والعقول التي تدرك بها الأشياء ، ويهتدى بها إلى الحق والصواب ، ولكن الناس هم الظالمون لأنفسهم وحدها دون غيرها ، لأنهم يعرّضونها لعقاب الكفر والتكذيب والمعاصي ، بتعطيل نعمة العقل ، والتّنكر لهداية الدين. وهذا وعيد واضح للمكذبين ، ويكون عذابهم يوم القيامة حقّا وعدلا ، لا ظلم فيه.