قال السدي وغيره : سبب مجيئهم أن المجاعة التي أنذر بها يوسف أصابت البلاد التي كان بها يعقوب. روي أنه كان في العربات من أرض فلسطين بغور الشام.
لقد قدم أولاد يعقوب من فلسطين إلى مصر ، فلما دخلوا على الوالي يوسف ، وهو في مكانته ومنزلته العالية ، عرفهم حين نظر إليهم ؛ لأن ملامح الكبار لا تتغير كثيرا ، وهم له منكرون ، لا يعرفونه ، لمفارقتهم له وهو صغير ، وباعوه لقافلة السّيارة العابرة المسافرين ، والملامح في حال الصّغر تتغير كثيرا مع النمو والكبر ، ولأنهم قدّروا هلاكه ، ولم يفكّروا لحظة أن يوسف سيصير في هذه المنزلة ، وهذه توقّعات منتظرة بحسب التقدير البشري العاجز الذي ينسى فيه الإنسان أن لله تعالى القدرة على صنع العجائب ، وإيجاد ما لم يكن في الحسبان.
وأكّد هذا التّجاهل وعدم معرفة يوسف من إخوته : الكلام الذي دار بين يوسف وإخوته ، حيث سألهم عن سبب مجيئهم وهو القدوم للميرة وحمل الطعام ، وسألهم عن بلادهم وأهلهم وأبيهم وجميع أولاده ، فأخبروه بأنهم اثنا عشر ولدا ، هلك أصغرهم في البرية ، وبقي شقيقه عند والده ليتسلى به ويعينه على أحوال المعيشة ، فأمر يوسف بإنزالهم منزلا كريما ، وبإكرامهم كرما عظيما.
ولما أوفى لهم الكيل ، وحملهم من القمح عشرة أحمال ، وزادهم حملين لأبيهم وأخيهم ، قال : ائتوني في المرة القادمة بأخيكم من أبيكم وهو بنيامين ، ألا ترون أني أتم لكم الكيل الذي تريدون دون بخس ، وأزيدكم عليه ، وأنا خير المنزلين المضيفين للضيوف. وكان قصده من ذلك ترغيبهم في الرجوع إليه.
وأخبرهم سلفا أنه إن لم تأتوا بأخيكم بنيامين في المرة الثانية ، فليس لكم عندي ميرة طعام ، ولا تدخلون بلادي. وقوله : (وَلا تَقْرَبُونِ) نهي لفظا ومعنى ، معناه ألا يقربوا له بلدا ولا طاعة.