فأجابوه : (سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أي سنجتهد في طلبه من أبيه ، ونحاول إقناعه بذلك برفق ، وإنا لفاعلون ذلك لا محالة بمشيئة الله ، ونحن حريصون على مجيئه إليك بكل إمكاناتنا ، لتعلم صدقنا فيما نقول.
روي أن يوسف عليهالسلام استوفى في تلك السنين الجدباء أموال الناس ثم أملاكهم ، فلم يبق لأحد في أرض مصر ومزارعها ملك. وظاهر كل ما فعله يوسف مع إخوته أنه بوحي وأمر إلهي ، وإلا فكان برّ يعقوب يقتضي أن يبادر إليه ويستدعيه ، لكن الله تعالى أعلمه بما يصنع ، ليكمل أجر يعقوب ومحنته ، ويتبين سبب محبّته ليوسف ، وتتفسّر الرّؤيا الأولى ، بسجود أحد عشر كوكبا له.
وقال يوسف لفتيانه ، أي لغلمانه وخدمه : (اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها) أي اجعلوا البضاعة التي اشتروا بها الطعام ، وقدموا بها للميرة ، معاوضة أو بيعا ، في أمتعتهم التي لهم من حيث لا يشعرون ، لعلهم عند رجوعهم إلى أهلهم وبلادهم يعرفون حق ردّها وتكرمتها ، فيرغبون فينا ، ويرجعون إلينا حينئذ ، أي بعد العودة إلى أهلهم وفتح أمتعتهم. والإنسان عادة يسرّ بأخذ الشيء مجانا ، وبردّ البضاعة التي دفعها ثمنا. وهذا إغراء واضح بالعودة ، وتحقيق للغاية الكبرى ، وهي لقاء يوسف مع جميع أسرته ، أبيه وخالته وإخوته. وهو أسلوب ناجح ، وعمل طيب ازدان به حسن الاستقبال والضيافة الكريمة ، والوداع المؤثر الذي لا ينسى ، من قبل يوسف عليهالسلام لإخوته الكبار ، الذين أساؤوا إليه بإلقائه في البئر ، فقابل الإساءة بالإحسان ، وهو خلق الأنبياء والأصفياء والأولياء الكرام.