وأما أتقياء المؤمنين المبتعدين عن كل ألوان الشّرك ، فلهم ثواب الجنة ذات الجمال المطلق والراحة الأبدية ، ونعت الجنة أو وصفها الذي يشبه المثل في الغرابة ، تلك الجنة التي وعدها الله للمتقين ذات أنهار تجري في أنحائها وجوانبها ، وحيث شاء أهلها ، يفجّرونها تفجيرا ، ويوجّهونها حيث أرادوا ، ما يؤكل فيها من المطاعم والمشارب دائم مستمر لا ينقطع ، وكذلك ظلّها دائم ، لا ينسخ ولا يزول ، فليس فيها شمس ولا حرّ ولا برد ، تلك الجنة هي عاقبة ومصير أهل التقوى ، وعاقبة الكافرين النار ، بسبب كفرهم وذنبهم. والمراد أن ثواب المتقين منافع خالصة عن الشوائب ، موصوفة بصفة الدوام. والآية إطماع للمؤمنين المتّقين ، وإقناط للكافرين ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)) [مريم : ١٩ / ٦٣]. وقال سبحانه : (وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) [الزّخرف : ٤٣ / ٧١].
موقف أهل الكتاب والمشركين من نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم
كان المعارضون لدعوة النّبي صلىاللهعليهوسلم فريقين : فريق المؤمنين المؤيدين ، وفريق الجاحدين المنكرين الذين يتمسكون بشبهات واهية وأعذار ساقطة ، لتسويغ انحرافهم بتأويلات لا يمكن قبولها أو الحماس لها ، فاستحقت أن تطوى من تاريخ الفكر والعلوم. وهكذا أصبحت أفكارهم منقولة على سبيل التعجب من انحدار العقل البشري ، والاتّعاظ من آفة الضلال التي تعصف بأصحابها وتهوي بهم في دركات الجحيم. قال الله تعالى واصفا موقف بعض أهل الكتاب والمشركين المعترضين على تصرّفات النّبي صلىاللهعليهوسلم وأحكام دينه :
(وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما