أيها النّبي وكل سامع ممن كذب بآيات الله الدّالة على وحدانيته وقدرته على إرسال الرّسل لهداية البشر ، فتكون ممن خسروا الدنيا والآخرة.
وهذا أيضا من باب التّهييج والتّثبيت وقطع الأطماع عنه عليهالسلام في مساومته على حلول وسط ، مثل قوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) [القصص : ٢٨ / ٨٦]. وفي الآية هنا تعريض بالكفار الخاسرين الضّالّين.
وأنهى القرآن المشكلة في عناد الكفار ، فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦)) أي إن الّذين ثبتت عليهم كلمة الله ، أي قضاؤه وحكمه بالعذاب ، لا يؤمنون أبدا ، لفقدهم الاستعداد للإيمان ، وتصميمهم على الكفر ، وليس المراد منعهم من الإيمان ، وإنما بيان لحقيقة اختيارهم بحسب علم الله عزوجل المحيط بكل شيء. وهؤلاء الذين علم الله أنهم لا يؤمنون سيبقون على كفرهم وجحودهم ، ولو جاءتهم كل آية كونية حسّية أو علمية أو قرآنية ، كآيات موسى التّسع ، وتفجير الأنهار والصعود في السماء ، وآيات إعجاز القرآن ، لو جاءهم أي شيء من ذلك وغيره لا يؤمنون حتى يروا العذاب المؤلم الموجع الذي يطبق عليهم ، وحينئذ لا ينفعهم الإيمان ، لأنه إيمان اليأس كإيمان فرعون.
متى يصحّ الإيمان
؟ الإيمان جوهر وكنز يملأ النفس والقلب ، ويلازم العقل والفكر ، ويظل رأس مال المؤمن في جميع أدوار الحياة حتى يفارق الدنيا ، ولا ينجي الإنسان سواه بعد الموت والرحيل إلى عالم الآخرة. لذلك كان قائما على الإرادة والاختيار ، ولا فائدة منه ، ولا بقاء له إذا فرض بالإكراه أو نشأ حال الاضطرار أو اليأس من الحياة. والإيمان