وروي أنها كانت عاقرا لم تلد إلى أن عجزت ، فبينما هي بظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا له ، فتحرك قلبها للولد وتمنته ، فنذرت كما ذكر ، وسمتها مريم ؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة ، فأرادت أن يكون فعلها مطابقا لاسمها
وفي هذه الآية دلالة على جواز تمني الولد ، وعلى حسن اختيار الاسم بما يحسن معه المعنى ، وحسن التفاؤل في الأمور.
وقولها : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران : ٣٦] دلالة على حسن تعويذ الأولاد ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعوذ الحسنين عليهماالسلام ، فيقول : (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة) حتى نزلت المعوذتان. فكان يعوذهما بهما.
قال الزمخشري : وما يروى من الحديث (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد ، فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها) فإن صح الحديث فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها ، فإنهما كانا معصومين ، وكذلك كل من كان في صفتهما ، لقوله : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٣٩ ـ ٤٠] واستهلاله صارخا من مسه على سبيل التخييل ، لا أنه أراد حقيقة المس ، والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلّا ، ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا مما يبلو به من نخسه ، ونحو هذا من التخييل ، قول ابن الرومي :
لما تؤذن الدنيا به من صروفها |
|
يكون بكاء الطفل ساعة يولد |
وإلا فما يبكيه منها وإنها |
|
لأفسح مما كان فيه وأرغد |
إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنّه |
|
بما سوف يلقى من أذاها يهدّد |