قال جار الله رضي الله عنه : وإنما بين الجماعة بالواحد لوجوه :
الأول : أن الواحد مقام آيات هنا لقوة دلالته على قدرة الله تعالى ، ونبوة إبراهيم عليهالسلام ، وذلك تأثير قدمه في حجر صلد ، كقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠].
الثاني : اشتماله على آيات ؛ لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، وغوصه إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية ، وإبقاؤه دون آيات سائر الأنبياء آية ، وحفظه مع كثرة أعدائه آية.
الثالث : أن الآيات مقام إبراهيم ، وأمن من دخله ؛ لأن الاثنين نوع من الجمع ، ويجوز أن تذكر هاتان الآيتان ، ويطوى ذكر غيرهما ، دلالة على تكاثر الآيات ، كأنه قال : فيه آيات بينات ، مقام إبراهيم ، وأمن من دخله ، وكثير سواهما ، ونحوه في طي الذكر قول جرير :
كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم |
|
من العبيد وثلث من مواليها (١) |
فلم يذكر الثالث ؛ لأنه هجاهم.
ومنه قوله عليهالسلام : (حبب الي من دنياكم ثلاث ، الطيب ، والنساء ، وقرة عيني في الصلاة) فقوله : (وقرة عيني في الصلاة) ابتداء كلام ، ليس بمعطوف على الأولين ، وذلك لأنه ليس من شأنه أن يذكر شيئا من الدنيا فاستأنف الأهم.
قيل : سئل الفقيه حسام الدين ، حاتم بن منصور عن الحديث ، فأجاب : بأن من بمعنى في ، وقد جاءت كذلك ، نحو قوله تعالى : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٠] أي : في الأرض ، لكنه يقال : فقد حبب إليه أكثر من ذلك ، نحو الصوم ، والجهاد ، ونحو ذلك من الطاعات.
__________________
(١) ولم يذكر الثالث ، وهو الصميم منهم ؛ لأنه كان يهجوهم ، فكره ذكر الخالص منهم. (ح / ص).