وقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) ذكر الأكل لأنه معظم الانتفاع.
والمعنى : فاقبلوه ، وهذا أمر إباحة ، يعني : لا تحرّجوا في ذلك.
وعن ابن عباس «أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن هذه الآية ، فقال : (إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة ، لا يقضي به عليكم سلطان ، ولا يؤاخذكم الله به في الآخرة).
أما لو كانت العطية منها لشكاسة أخلاقه ، وسوء معاشرته ، لم يطب له ذلك ، وقد تقدم ذكر الخلاف إذا كان النشوز منه ، وطلقها بالعوض.
وروي أن امرأة أعطت زوجها عطية ، فجاءت به إلى شريح تطلبها منه ، فقال شريح : رد عليها ، فقال الرجل : أليس قد قال الله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) فقال : لو طابت نفسها لم ترجع فيه.
وعنه «أقبلها فيما وهبت ، ولا أقبله ؛ لأنهن يخدعن».
وعن عمر أنه كتب إلى قضاته «أن النساء يعطين رهبة ورغبة ، فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذاك لها» وهذا يحتاج إلى تأويل أنه قد عرف عدم طيبة نفوسهن.
وقوله : (هَنِيئاً مَرِيئاً) قيل : هما من قولهم : هنؤ الطعام ، إذا كان سائغا في مجراه
وقيل : الهنيء ما يلذ للآكل ، والمريء : ما تحمد عاقبته.
قال الأمير عز الدين محمد بن الهادي في كتابه الروضة والغدير : وقد ذهب بعض المتفقهة أنه لا يصح هبة المرأة لمهرها ، وتعلقوا بشبهة في ذلك ، وقالوا : لو عرفت أنه يسلمه لها ما وهبت ، ولا سمحت.
قال الأمير : وهذا لا يلتفت إليه ، ولا يعدل إليه لنص الكتاب ، ولما ورد عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولما أجمع عليه أهل العلم.